رغم الأجواء الاحتفالية والتفاؤل الكبير بمخرجات القمة المرتقبة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الكوري الشمالي كيم أون، المقررة في 12 من الشهر المقبل، فإن الشواهد تؤكد ضرورة الحذر في استباق نتائج هذه القمة.

مؤخراً، صدرت في بيونج تصريحات رسمية شككت الباحثين والمراقبين في امكانية التوصل إلى حل جذري للأزمة في شبه الجزيرة الكورية من خلال هذه القمة، وكان من أهم هذه المؤشرات إرجاء كوريا الشمالية المحادثات مع الشطر الجنوبي بسبب المناورات العسكرية المشتركة بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، ولم تكتف بيونج يانج بهذا القرار، بل أشارت إلى أنها قد تنسحب من من قمة ترامب أيضاً. 

الإشكالية في مرحلة بناء التوقعات أن هناك مبالغات في الاستنتاجات التي تعقب أي تطور في علاقات أطراف هذه الأزمة، كما حدث عقب القمة بين الكوريتين، حيث اعتقد البعض أن صفحة الصراع التاريخي قد طويت للأبد، وهذا أمر غير دقيق لأن هذه القمة وما تخللها من وعود لم تكن حدثاً جديداً بل تكررت وتكرر معها توقعات ووعود مشابهة ثم مالبث كل شىء أن تبدد بفعل الأحداث وغلبة التوجهات الاستراتيجية للنظام الكوري الشمالية على سياساته التكيكية، التي ينفذها من أجل تجميل الصورة وكسب بعض التعاطف الدولي في كثير من الأحيان، علاوة على أن بيونج يانج كثيراً ما تلوح بالتخلي عن وعودها كورقة ضغط تسبق عادة أي مفاوضات مع بقية الأطراف.

توجهات القيادات الجديدة في إدارة ترامب أكثر ما يزعج النظام الكوري الشمالي، حيث ظهر وزير الخارجية الأمريكي الجديد مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون في لقاءات إعلامية مؤخراً، وتحدثا عن ضرورة نزع كوريا الشمالية أسلحتها النووية بشكل كامل وفق آليات يمكن التحقق منها ومراقبتها، وفق ما اسماه المراقبون بالنموذج الليبي، بينما صرح بولتون بأن كوريا الشمالية في وضع ضعيف بسبب سياسة "الضغط الأقصى"، التي اتبعها ترامب من العزل الدبلوماسي والاقتصادي، وكان بولتون ذاته قد ألمح في تصريحات سابقة إلى أن نزع الأسلحة النووية لنظام القذافي يعتبر سابقة محتملة يمكن تطبيقها في الحالة الكورية الشمالية.

هذه التصريحات أغضبت الزعيم الكوري الشمالي، وتحدث مسؤول كوري شمالي عن "مشاعر اشمئزاز" تجاه بولتون، بينما اتجاه المراقبون الغربيون إلى المقارنة بين الحالتين الكورية الشمالية والليبية، لاسيما أن بيونج يانج كانت قد أعلنت رسمياً عن عدم حاجتها للمنشآت النووي بسبب تحقق الأهداف المتوخاة منها، أي بلوغ مرحلة تحقق هدف التسلح النووي وامتلاك قنبلة نووية، وهو أمر يختلف تماماً عما كان عليه الحال بالنسبة لليبيا في عهد القذافي عام 2004.

هناك تباين واضح بين واشنطن وبيونج يانج حول هدف قمة سنغافورة المرتقبة، فالرئيس ترامب يقول إن "الهدف من المحادثات ببساطة يعني التخلص من أسلحتهم النووية"، أي يقصد نزع الأسلحة من جانب واحد هو الجانب الكوري الشمالي، بينما ترى كوريا الشمالية أن نزع الأسلحة النووية يعني عدة أمور منها تخلى الولايات المتحدة عن أسلحتها النووية في شبه الجزيرة الكورية. 

الانطباعات التي انتشرت عالمياً بعد زرع "شجرة السلام" والحديث عن تاريخ جديد في العلاقات خلال شهر ابريل الماضي عقب قمة الكوريتين تبدد في معظمه خلال الأيام الأخيرة، بل كادت نقطة البداية التي تحدث عنها الرئيس الكوري الشمالي أن تشيع وسط تهديدات الانسحاب من قمة سنغافورة، ومن الواضح أن هناك حاجة إلى ضبط المفاهيم والمصطلحات قبل الحديث عن سلام دائم في شبه الجزيرة الكورية، فكوريا الشمالية تتحدث عن وقف فوري للاختبارات النووية واختبارات الصواريخ بعد أن وصلت إلى أهدافها التسليحية، بينما يتحدث الجانب الأمريكي عن نزع برنامج الأسلحة النووية الكورية الشمالية، وبلا رجعة.

المؤكد أن ترامب يدرك جيداً مقاصد نظيره الكوري الشمالي، ويعرف تكيكاته السياسية، ولذا فهو يضعف سقفاً عالياً جداً لمطالبه، فهو يدرك جيداً مدى حاجة بيونج يانج لانعاش اقتصادها بعد تفاقم تأثير العقوبات الاقتصادية ضد البلاد، لذا لم يكن غريباً أن تقول الولايات المتحدة إن أي استثمار خاص في كوريا الشمالية مشروط بالتزام البلاد بالنزع الكامل لأسلحتها النووية.

تستند استراتيجية ترامب على حقائق ووقائع منها أن صادرات كوريا الشمالية قد انخفضت بنحو 30 في المئة في 2017. إذ إن الصادرات، خاصة إلى الصين، أكبر شريك تجاري لبيونغيانغ، انخفضت بنسبة 35 في المئة. وأدى هذا إلى قطع كمية كبيرة من عوائد النظام ما يولد طاقة ضغط هائلة على بيونج يانج، التي تخشى مزيداً من التدهور الاقتصادي وبالتالي يصبح مصير النظام نفسه في خطر هائل.

هي قمة في غاية الصعوبة والتعقيد، وستسبقها مباراة دبلوماسية في الشد والجذب والتهديدات المتبادلة ستكون أحد معالم الأيام المتبقية على القمة، وحتى تحسم الكثير من الأمور، حال انعقاد القمة، سيشهد العالم المزيد من التصريحات والتصعيد الكلامي!