( قَدرالذَّهب عِنْدَ الصَائِغٌ ،أو قيمة الذَّهب يَعْرِفها الصَائِغٌ ) مَثَل كوردي شائِع يَنْطَبِقُ تماماً علَى (مامادوغاساما)، هذا الشابٍّ المُشرد الَّذِيَ يَبْلُغُ مِنَ العمر 22 عاماً ، هرَب مِنَ فُقروجَحِيمِ (مالي ، الدَّوْلة التي تقع في غرب قارّة إفريقيا وتعتبر مِنْ الدول الفقيرة ، عَلَى الرغم مِنَانها (غنية جدا )بعناصرالطبيعية، ففيها النَحاس، والذهب، والحَديد، والمنغنير، والفوسفات، واليورانيو، والبوكسيت، والملح ) .

( غاساما ) ، هرَب مِنْ جَحِيمِ الفُقر ليستقر ويقيم عَلَى أرصفة أحد شَوَارِعَ باريس أسوة بمئات المُهجرين مِنَ دون أن يجدوا مِنَ يلتفت لهم ، و لَكِنَ فجأة أَصْبَحَ ( غاساما ) بطلًا مِنَ أبطال فرنسا بعد أن تَسَلَّقَ حافياً وبيَدَيْنِ عاريتين واجِهة أحد المباني فِي باريس خلال أقل مِنَ دقيقة واحدة لينقذ طفلاً كان متدلياً مِنَ شرفة في الطابق الخامس ، بينما كان أحد الجيران فِي شُرفة مُجاوَرة يحاول منع سُقوط الطَفَل.

وبعد أن أنقذ (غاساما)الطَفَل مِنْ الموت المُحقق ، إستقبله الرَئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فِي لِقَاء خاصّ إكراماً لشِجاعته وإنِسانيته ونبلِه وعمله البطولي ، وأعلن ماكرون بعد لقِائه بـ(رَّجُلَالعَنْكبوت الحَقيقيّ ) أنه سيُمنح الجنسيَة الفرنسية، وشكره شخصياً ومنحهُ وِسَام الشَجاعة وشهادة تقديرية ، وقررأيضا منحه وَظيفة رَجُلُ الإِطفاء..

مَشهَد وقعه يختلف بين شَخَصَ وآخِر، وقد يخلق إستغراباً وفَرحاً وانفعالاً لَدَى الكَثِيرٌين ، وأنا واحد منِهم ، حيث شعرت بالفَخَروالاِعتِزازعندما شاهَدْتِ (الرَّجُلَ العَنْكبوت الحَقيقيّ) يتسلق بِدون تَرَدَّدَ أو خَوْف لإنقاذ طَفَل فرنسي مِنَ المَوْت المُحقق ، وشعرت بفخر أَكْثَرَ عنِدما أعلن عُمدة ضاحية (مونتروي) عَنْ مَنَحَ (غاساما )لَقَب (مواطن شرف) لشِجاعته ، كَمَا إزداد إعتزازي وفخري عندما إستقبله الرَئيس الفرنسي وقلدهٌ وِسَام الشجاعة و قَالَ له ( فرنسا بحاجّة إليك ) ، وفِي نفس الوقت حَزِنْتَ وتَأَلَّمت وشعرت بالمرارة الشديدة لمِعاناة (غاساماـ الشاب العَنْكبوت ) ولأمثاله ( المملوءين بالولاء والطاقة والإستعداد للتضحية ) الَّذِينَ لا تلتفت إليهم ولا ترعاهُم ولاتحميهُم حكوماتهم ولا تهتهم بهُم رغم حجَمَ المُعاناة والمَصَاعِبوالمَشَقّات التى يَتَعَرَّضُون لها فِي ووَطَّنهم الأم، وعليه قَرَّرَوا الهروب مِنَجَحِيم وطنِهْم وتركوا أُسرهم وذويهم وبلدهم للبحث عَنْ لقمة العيش على أَرصِفة ميادين الدُوَل الغربية ، بعد أن واجَهَت اوطَانهم العديد مِنَ المَجَاعَات والحَرَوب والوَيْلات وأَنْجَبَتِ جيلاً من الأطفال والشَّباب الَّذِينَ يَصْطَفُّون في طَّابُورُ المُسَنِّين ، ويَتَمَنَّون أن يجِدوا من يُقدم لهم الرِّعَايَة اللازمة في وَطَّنهم الَّذِي يطفوعلى بَحْرٌ مِنَ النِّفْط والثَرْوات الطَّبِيعَيةِ على سَبيل المِثال لاالحصر (النِّفْط ، الغاز ، ال نَحاس ، الذَّهب ، الحَديد ، المنغنير، الفوسفات، واليورانيوم ) ...

أن الرَئيس (إيمانويل ماكرون ) ورُؤَسَاءُ الدُوَل المُتَطَوِّرَة و المتقدّمة أُلأخْرى يَعْرِفُونَ جيداً إنَّ للشّباب دوراً كبيراً ومهمّاً في تنميةِ المُجتمعات وبنائِها، كما أنّ المُجتمعات التي تحوي على نسبٍة كبيرة من الفئة الشّابة هي مُجتمعاتٌ قويّة وذلك كون طاقة الشّباب الهائلة هي التي تُحرّكها وترفعها وتقدمها ، لذلك فالشباب ركائز أيّ أمّةٍ، وأساسُ الإنماء والتّطور فيها، كما أنّهم بُناةُ مجدها وحَضارتها وحُماتها ، كما يعرفون ايضأ بان الشبابُ هم عمادُ أيِ أُمَّةٍ وسرُّ النَّهضةِ فيها، وهُم بناةُ حضارتِها، وخَطُّ الدِّفاعِ الأوَّلِ والأخيرِ عنها، وعليه يعملون عَلَى الإفادة مِنْ كل طاقات الشباب، ولايتركوهم عبئا لبطالة تفترس أحلامهم وأمالهم ومستقبلهم وتهدرحقهُم في العيَّشَ الكَريم
، بالضبط عكس حُكامنا (حِيتَانَ الْفَسَادَ والسَرِقات ) الَّذِينَيَعْبَثُونَ بأقدار الوَطَّنَ ، ويَتَلاَعَبُون بمَصِير المُوَاطِنٌين ومُسْتقبِلهم ولا يهتمّون بهم ولا يهيؤن لهم سبيل الأرتقاء والعيَّشَ الكَريم، ولا يوفرون لهم دخلا مُناسبا يفي بكُل إحتياجات الحَيَاةَ مأكلا نظيفا ومشربا سائغا ومسكنا آدميا لائقا، وعَلَيْهِ يَضْطَرَّ الكثيرونَ مِنَ أمثال (غاساما، عَلَى إختلاف جنسياتِهم وألوانِهم وأشكالهِم وأفكارهِم وعقائدهِم وأَوطَانِهم ) يَضْطَرَّون إلى الْهُرُوب مِنَ إسْتِبْدَاد حُكامِهم وجَحِيمِ أوطانِهم التي تأكُلها نِيرَانٌ الحَرَوب الأهلية والفَقِرَ والبطالةْ بحثاً عَنْ مكان آمن يأويهم . 

تحيَّة و تَقْدِير لـ(غاساما ) الَّذِيَ دَخِلَ قصرالإليزيه و تَّاريخ فرنسا مِنَ أوْسَعَ أبوابه بعد أن دفعُه الُفقرو الإهْمَالِ عَنْ سبق ترصدٍ وإصرار نَحْو الهِجرة، فِي الوَقْت الَّذِيَ كان وطَنه وشَعبه أولى بِه وبِخدمته وجُرْأَتة وإنسانِيَّتة و طَّاقاتة ،فعلا صَدَقَ المَثَل الكوردي القائِل : ( قَدرالذَّهب عِنْدَ الصَائِغٌ ، أو قيمة الذَّهب يَعْرِفها الصَائِغٌ ) .