في بلادنا كل شيء يختلط بكل شيء ، السياسة بالفن فينتج فنا سطحيا، السياسة بالمال فتفسد السياسة ويفلس المال، السياسة بالرياضة فتفشل السياسة وتخسر الرياضة.

استضافة كأس العالم فرصة كبيرة تتنافس عليها كبرى دول العالم ولعقود طويلة انحسرت المنافسة على استضافة كاس العالم بين العواصم الكبرى. مؤخراً غير الاتحاد الدولي لكرة القدم قوانين استضافة المونديال في 2007 حيث سمح لاي دولة في العالم بان تقدم طلبا لاستضافة مباريات كأس العالم ، لتشتعل حمى المنافسة بين مختلف دول العالم وصار هذا الملف مدعاة للجدل وتبادل الاتهامات والتسقيط.

كذلك الاتحاد الدولي حاول ان يطور من اليات الانتخاب للمرشحين وسمح للاتحادات المحلية بالتصويت على المرشحين الامر الذي زاد من فوضى الامور بصورة اكبر.

مؤخراً اعاد المغرب هذا الجدل حيث قدمت المملكة المغربية -على عجالة- عرضها للتنافس في تنظيم كاس العالم 2026 وتعهدت انها يمكن ان تقدم ارباح للاتحاد الدولي باكثر من خمسة مليارات دولار مقابل ملياري دولار تصرف على البنى التحتية.

بالمقابل قدمت الولايات المتحدة وكندا والمكسيك عرضا مقابلا يتضمن ارباحا مؤكدة بقيمة ملياري دولار مقابل خمسة مليارات دولار ارباحا اقتصادية على المدى القصير.

ورغم ان رؤساء الاتحاد الدولي لكرة القدم صرحوا ان كلا العرضين جدير بالاهتمام الا ان الحقيقة ان ملف امريكا الشمالية كان يحضى بدعم دولي اكبر خاصة ان هنالك ثقة دولية باستقرار البنى التحتية الرياضية واللوجستية في امريكا الشمالية.

من جهتها حاولت المغرب ان تقدم ملفها وتقنع دول الشرق الاوسط الشقيقة والدول الافريقية بانها قادرة على استضافة هذا الحدث ولكن ملف المغرب ظل مثار تشكيك العديد من دول العالم على الرغم من ان الاتحاد المغربي لكرة القدم بذل جهوداً كبيرة لاقناع (الفيفا) بامكانيات المغرب الرياضية.

ثم توالت دراما الاحداث في هذا الملف واستطاع ملف امريكا الشمالية الثلاثي من ان يحصد غالبية الاصوات 134 من اصوات اتحادات كرة القدم البالغ 207 بالمقابل حصلت المغرب على 65 صوتا.

وبغض النظر عن كل التفاصيل التي رافقت عملية التصويت وكل التصريحات المتبادلة بين الاتحادات العربية حول هذا الملف.

خرج الجمهور العربي من هذه المباريات التحضيرية وهو منقسم ويتبادل الاتهامات والتجريح، إذاً ما الذي كان سيحصل في المباريات الحقيقية لو دارت رحاها في فضائنا العربي المتشرب والمشعب في جداله وجدلياته غير محسومة؟

المملكة المغربية القت باللوم على الدعم العربي واعتبرت ان مواقفها السياسية من قضايا الخليج كانت وراء خسارتها ، ولكن لو صح هذا الامر اليس هذا دليل على ان ارضنا العربية لا تزال مكاناً غير امن للمتفرج واللاعب واذا فشلت المغرب بان تكسب دعم جوارها العربي وحيادهم كيف لها ان تكسب دعم وحياد باقي دول العالم؟ 

المغرب عرضت ملف استضافة كأس العالم اكثر من مرة في ظروف كانت الاجواء السياسية العربية اكثر متانة واستقرار ولكنها فشلت ايضا في كسب التاييد، ليس لان فقط لان الجوار العربي لم يساندها ولكن لان كل من كان ينافس الملف المغربي كان يحصل على نقاط اكثر في مجالات الصرف على البنى التحتية وقوة الاداء اللوجستي. حتى قطر التي فازت بملف استضافة المونديال بعد لغط كبير وفضيحة تلقي رشاوي هددت كبار الشخصيات في الاتحاد الدولي، اليوم يعود التساؤل عن اهليتها السياسية والامنية لاستضافة هذا الحدث، وعن مدى حيادية المنظمين القطريين في ادارة هذا الحدث.

في عالمنا العربي ربما نحن نملك حماساً لكرة القدم ولكننا لا نزال بعيدين كل البعد عن فهم تنوع الرياضة وروحها المنفتحة. والاخطر اننا لا نستطيع ان نفصل قضايانا السياسية عن انفعالاتنا الرياضية. مؤخراً بريطانيا والدول الاوربية تصاعدت بينهم وبين روسيا حدة التصريحات والمواقف الذي وصل الى اكبر عملية طرد وسحب سفراء متبادل، ومع هذا احتفضت كافة الاطراف بالحيادية داخل كاس العالم. ولكم ان تتصوروا الوضع لو كان الموقف مشابها في منطقتنا.

العامل المهم الاخر هو ان المسؤلين الرياضيين والسياسيين في المغرب الحالم باستضافة المونديال يعرفون جيداً ان الكلف مادية قد تتجاوز الكلف الاولية المقدمة لبناء الملاعب وتأهيلها و دعم البنى التحتية الفقيرة، الامر الذي سيضغط على الميزانية العامة وقد يفاقم ازمات الفقر التي تعاني منها اصلاً وقد تكون هذه الكلف السياسية والاقتصادية اكبر بكثير من الارباح التي قد تجنيها، وهذا ما حدث في البرازيل عندما استضافة الالعاب الاولمبية واحتاجت الى ان تتجاوز الكلف المالية الاولية التي رصدتها ابناء الملاعب واماكن الاستضافة وضبط الامن، مما ادخلها في ازمة اقتصادية خانقة، فكيف الحال بالمغرب الذي يعاني من ازمات اقتصادية اصلا وتفشي البطالة والفقر.

نحن جميعاً نتفق على ان كرة القدم هي ملاذ اطفال الشوارع ومتعتهم وكذلك هي صديقة الشعوب الفقيرة، ولكنها في عالم اليوم هي تجارة لا تضاهيها اي تجارة في عائدات الارباح وعليه كل البطولات الكروية الصغيرة او الكبيرة يتم الحرص على ان تحقق اكبر عائد من الارباح باقل الكلف والحقيقة التي يدركها جميع قادة هذه اللعبة ان تعقيدات السياسة هي من اكبر الكلف المالية والمعنوية التي تقلل من ارباح كرة القدم وبريقها.

وعليه سوف تظل الدول العربية من اقل الدول حظاً لتنظيم المونديال. حتى ملف قطر التي قدمت المليارات ولاتزال فأن قضيتها لاتزال عالقة والاحداث لاتزال في غير صالحها خاصة وان الشكوك حول ملفها في استضافة المونديال لا تزال محل نقاش جاد في الاتحاد الدولي لكرة القدم.

اخيراً قد نتفق او نختلف ولكن المنطق يقول ان المليارات التي تقدمها المغرب وغير المغرب لاستضافة المونديال يمكن لها ان تحدث تاثيراً اكبر لو تم صرفها في تطوير لعبة كرة القدم في دولنا نفسها، مئات الشباب المهمل الفقير يمكن لهذه المليارات ان تغير واقعة ومستقبله اكبر بكثير من ما ستقدمه استضافة كاس العالم في عالم تمزقة الصراعات والفقر. 

حتى تلك الاندية المترنحة والمنتخبات ذات الاداء الفقير يمكن لها ان تتطور وتواكب تطورات العصر في هذه اللعبة لو تم رصد الامكانات الكافية وبطرق علمية واعية. ولنتذكر دائماً ان اهدافنا الرياضية لا يمكن ان يكتب لها النجاح ونحن شعوب وحكومات لا نزال نتبادل ضربات الجزاء في قضايانا المصيرية.