منذ أيام نشر الشاعر الكردي محمد حمكوجر جزاوير*، إعلاناً على صفحته الشخصية في وسائل التواصل الاجتماعي (الفيس بوك)، وتضمن الإعلان صورة لكنباية وقد كتب فوقها "بعد عودتي إلى بيتي الذي خرجتُ منه رغماً عني وجدت فيه هذه الصوفاية أو الكنباية، فمن كان صاحبها من أبناء الناحية فليأتي ويأخذ أمانته من عندي"؛ ويبدو أن بيت الشاعر كان محطة لتجميع المعفشات في الناحية على أمل تقييمها أو تبويبها ومن ثم تسفير الجيد منها إلى خارج المنطقة وترك الرديء لأهل الناحية حتى يحتفوا ببقايا ذكرياتهم المعلقة بما تبقى من أثاث منازلهم عقب الغزوة.

واللافت أنه في الفترة نفسها تقريباً قامت الشرطة العسكرية الروسية بإهانة مجموعة تابعة لقوات نظامبشار الأسد وهي تحاول سرقة ممتلكات المدنيين في بلدة ببيلا جنوب العاصمة السورية دمشق بعد أن قام النظام وحلفاؤه بتهجير سكان الغوطة الشرقية، وفوق ما تعرض له السكان من قصف وتدمير وحصار خانق دام لسنوات ومن ثم تعرضهم للنفي القسري من مناطقهم، عملت وتعمل قوات النظام على سرقة المنازل بالكامل من أثاث وأواني المطابخ والألبسة المستعملة وحتى صنابير المياه والقواطع وأسلاك الكهرباء داخل الجدران، وذلك في المناطق التي تسيطر عليها تلك القوات، وحيث كان السوريون قد أطلقوا على هذه الظاهرة اسم "التعفيش"، تلك الظاهرة التي لا تخص فئة بعينها، والتي قد نعود ونكتب عنها في وقتٍ لاحق مادة أخرى خاصة بها، إذ بات من المؤكد بأن ثمة مشترك سلوكي واضح بينممارسات جميع المسلحين في سورية بخصوص الإغارة على أغراض وممتلكات المدنيين في أي منطقة يستولون عليها.

حيث أن إعلان الشاعر إضافة إلى سلوكيات الجيشالأسدي البارع في الإغارة على المغانم في أي منطقة يستولون عليها، وكذلك الفصائل المسلحة التي وضعتيدها على الكثير من ممتلكات الأهالي في عفرين، ذكرني باستراتيجيات مماثلة لبعض الكتائب حين كانت تسيطر على مدينة حلب، إذ كانت تلك الكتائب متسلحة بجميع أساليب وغايات وأفكار الغزو والاجتياح، والمحسوبة بكل أسف على الجيش السوريالحر وليس على جيش الأسد المشهور بالتعفيش؛وللتذكير فههنا قد نمر مرور الكرام على ممارسات جلاوزة ومؤيدي النظام بخصوص الظاهرة التي نتحدث عنها، باعتبار أن الحديث عن خصال نظامٍ أدمن على محو معارضيه عن الوجود بالحديد والنار؛نظامٍ لا ينتعش إلاَّ على أنقاض الأحياء، فبالتالي يغدو الحديث عن السلوكيات الجانبية لجنوده والمؤمنين بفلسفته القاتلة من النوافل، لذا سيكون تركيزنا على مثالب مَن انتفض بوجه ذلك النظام على اعتبار أنه المنقذ والمخلص!!

إذ من بعض استراتيجيات الفصائل المختصة بالسلب والنهب أن تقوم تلك الفصائل بجمع المنهوبات في أماكن معينة ليتم بعدها شحنها وبيعها في أماكن أخرى غير التي سُرقت منها الأدوات الكهربائية والعفش المنزلي، ويظهر أن الفصيل الذي جمع البضائع في بيت الشاعر، إما لم تسنح له الفرصة لشحن كل المنهوبات، أو أن تلك القطعة كانت فائضة عن حاجتهم، أو لم يكن ثمة متسع لها في العربة التي نُقلت باقي المعفشات.

وثمة استراتيجية يبدأ فيها التحضير المسبق للغزووذلك عندما يقوم الأبطال من طلائع الجيش الحر باقتحام منطقة ما، مرخصين أرواحهم كرمى الهدف الأسمى ألا وهو التحرير، إلا أنه بعدما يعلنوها منطقة محررة، تجتمع كتائب السلب والنهب من جميع المضارب للمسارعة في اقتسام المغانم، علماً أن هؤلاء المتعطشين لنيل المغانم لا يشاركون في أية جبهة قتالية على امتداد الخارطة السورية، إنما اختصاصهم الثوري هو "التجويل" أي سرقة أية سيارة تصادفهم،وإفراغ المحلات التجارية وجمعها في مستودعات خاصة ثم بيعها، وكذلك بيع أدوات الورش الصناعية بعد تجويلها وبيع آلات المعامل كطوناج وخردة، من ثم يتم العمل على سرقة منازل المواطنين كمرحلة أخيرة؛ويخال لمن يعاين سلوكياتهم أن وضعهم مماثل تماماً لوضعية كائنات البراري، وطبيعتهم توازي طبيعة تلك الكائنات المتطفلة على مجهودات أقرانهم ممن يعيشون على الافتراس، حيث نرى النمر أو الأسد يقوم بصيد حيوانٍ ما، وبعد أن تسقط الطريدة طريحة الأديمتجتمع الضواري من البراري والغابات لالتهام الفريسة، لأن كل همهم هو الانقضاض على الفريسة التي أوقعها غيرهم بدون أية مشقة، ليأخذ كلًّ حصته من لحم المُفتَرَس ساعة حضور الوليمة، إنها أشبه بثقافة تلك الضواري، فتصوروا إذاً حالة شعبٍ يحكمه كائناً متسلحاً بقيم الضواري.

والاستراتيجية الأخرى التي تكون بمثابة الصك والطريقة الشرعية للسرقة؛ حيث بعد أن يتم اقتحامالبلدة أو المدينة أو الحارة تتوزع المجموعات في شوارع الحي، فكل مجموعة تختار المنطقة الأكثر استراتيجية لهم، ففي لحظة الاقتحام يكون الاهتمام كله منصباً على السيارات وخاصة الحديثة والخصوصية ومن ثم تقوم المجوعة بفتح أي محلٍ أو دكانٍ تريده لتجعله مقراً مؤقتاً لها لكي يبدأوا بمهمة التجويل*، فيتم معاينة المكان جيداً قبل الانطلاق نحو جبهة التجويلالجديدة، ومن ثم التحري عن الميسورين في تلك المنطقة لاتهامهم بالتشبيح كي ينهبوا كل ممتلكاتهم المنقولة بطريقة شرعية خالصة من كل التبعات الدينية أو الأخلاقية، ومن ثم تتم مداهمة المنازل بذريعة تجريد السلاح من اللامنضوين في صفوف الجيش الحر، أو بحجة البحث عن الشبيحة المختبئين داخل البيوت، ومن خلال خلع أبواب المنازل بحجة البحث عن المطلوبينيكتشفون كل ما تحتويه البيوت من الأدوات الكهربائية وباقي محتوياتها الجديرة بالسرقة، وفي نفس الوقت يكون هناك فريق آخر مختص بخلع أقفال المحال التجارية وفتحها ليتم تفريغ بضائعها أول بأول، وهكذا يكون العمل مستمراً بهذه الوتيرة إلى أن يُفرغ ذلك الشارع من أغراضه القابلة للبيع لاحقاً، ليتم نقل المقر عقبها إلى شارع آخر لاستئناف التجويل في المكان الجديد بأسلوبٍ يتلاءم مع المكان والزمان الجديدين، وهكذا إلى أن يغدو الحي وكأنه تعرض تواً للغزو والاستباحة من قبل أسلافنا البرابرة، فحينها تكون البيوت التي سلِمت من قذائف الأسد قد وقعت فريسة أطماع المجولين، ليبقى الخاسر الأكبر دائماً وأبداً هم المدنيون.

ولأننا كنا شهود عيان على ما يجري في بعض الأحياء بمدينة حلب في 2013، فكنا وقتها قد نشرنا مكتوباً عن الجهل الثوري وقد جاء فيه: حاذرِ أيها المواطن أثناء فرارك من منزلك بأن تترك وراءك أي دليلٍ يثبت بأنك مواطن! فإن شاهدوا في بيتك وصلاً يخص أية وزارة سورية فأنت متهم بالتشبيح، وإن وجدوا شهادة تأدية الخدمة فأنت متهم بالموالاة، وإن عثروا على جلاء مدرسي يخص أحد أبناءك فأنت متهم بحب الأسد، لأن الجلاء يحمل صورة رئيس الدولة، وإن لقوا في بيتك أية ورقة مكتوبٌ عليها الجمهورية العربية السورية فأنت متهم، لأن اخواننا الثوار ضد كل ما يمت للدولة وفكرة الدولة بصلة رحم، وذلك حتى ولو كانت تلك القرابة بعيدة جداً، لأن كل فكرهم أن كل ما يخص الوطن هو ملكٌ لبشار الأسد وزبانيته، لذا فهم نكاية ببشار قد يهدمون كل مداميك الدولة، ويتلفون كل محتويات المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحتى الخدمية فيها، ويحاولون قدر المستطاع تقويض أركان البنية التحتية للبلد، وكل ما يتعلق بالحضارة المادية للقطر السوري، وذلك بالتزامن مع ما تفعله قوات الأسد بطائراته ومدافعه ودباباته وبراثن شبيحته، ولكن المفارقة الكبرى هي أنهم بالرغم من ادعاء معاداتهم للأسد وزمرته، وتدمير كل ما له علاقة بالأسد، إلا أن النقود التي عليها صورة الأسد كانت أشبه بالتميمة التي لا تفارق أجسادهم!!

ويبقى الذي لم نفهمه إلى الآن هو ما علاقة تحرير المناطق من الإرهابيين ـ حسب مفهوم نظام الأسد ـبنهب ممتلكات المدنيين العزل؟ وفي المقابل ماهي علاقة الثورة بسرقة ونهب وسلب ممتلكات الناس من بيوتٍ ومحال تجارية وسيارات ومعامل من قبل الفصائل؟تُرى أهذه الممارسات هي جزء متمم للأهداف العامةالتي تعمل عليها كل من قطعان نظام الأسد وشبيحة الثورة كلٍ على طريقته؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك فما هو السر الكامن وراء هذا الدمار الاقتصادي الممنهج بحق المدني السوري من قبل قطبي الصراع في سوريا، فالأسد دمر ولا يزال مستمرٌ في التدمير من السماء، وهذا دأبه طالما أنه طاغية وغير قادر على إنهاء مناوئيه والسيطرة على البلاد بالود والمحبةوالقانون، فيما الفصائل المسلحة التي ادعت بأنها انتفضت للذود عن كرامة الناس وحمايتهم من جور النظام فهي الأخرى تقلد شبيحة الأسد في كل شيء، وهي حقيقية تستكمل من على الأرض في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام ما لم تخربه قوات الأسد من السماء، ولكن يبقى المشترك الأكبر بينهم بالرغم منأنهم أعداءٌ شرسون جداً، هو أن تبعات أفعالهم لا يتحمل وزرها إلاّ المواطن الأعزل، وطاماتهم الكبرى منذ سبع سنوات لا تسقط إلاّ على رؤوس المدنيين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــ محمد حمكوجر جزاوير/ شاعر ومعّد وجامع للملاحم الفلكلورية والنصوص التراثية، وهو من سكان ناحية شيخ الحديد التابعة لمنطقة عفرين.

ـ التجويل: هو السرقة، أي وضع أي شيء يكون في المتناول وقابل للبيع عقب سرقته ووضعه بالكيس (الجوال) وحمله، وانتشر المصطلح في ريفي حلب وإدلب منذ عام 2013، وأعتقد بأن من ابتدع ذلك المصطلح هم فصيل عسكري يدعي غرباء الشام.

ــ النهبلوجيا: يعني علم النهب والاِغتنام، ونحتُ الكلمة رُكّب من قبلنا لا حباً بالبُدعةِ، إنما قد فرضهُ علينا الواقع السوري، وهي أي الكلمة استُخدت بدلاً من كلمة الغزو التي تعني في حقيقة الأمر الغنيمة لدى أغلب من يغير على مضاربٍ أو ديارٍ ما، وذلك باعتبار أن كلمة الغزو لها مدلول ديني صرف في بلادنا، بينما عملية النهب والسلب الحديثة فلم تعد محصورة بأهل الديانات وأتباعها، إنما هي ثقافة الجيوش في بلادنا، وذلك سواءً أكان الجيشُ ذا خلفية دينية أم علمانية.