قبل سقوط نظام صدام بأشهر التقى قادة أحزاب إسلامية شيعية يتقدمهم عبد العزيز الحكيم ببوش الابن في البيت الأبيض وعرضوا عليه أحقيتهم في حكم العراق لرفع المظلومية عن الشيعة! وأفلحوا بأخذ عهد منه بذلك مؤكدين له أن الإيرانيين سيضمنون سلامة الجنود الأمريكان في العراق!

كانوا قبل هذا قد أصدروا بيانهم سيء الصيت " إعلان شيعة العراق" والذي كتب بين قم ولندن وقدح شرارة الطائفية في العراق، وحفز السنة في العراق وفي المنطقة ليتأهبوا لمشاريع انتقام وعداء وأحقاد آتية ضمن حلف أمريكي إيراني طائفي محلي انضم إليه متزعمو الكرد مقابل إطلاق أيديهم في كردستان!

ومنذ ذلك الحين أخذ إرهابيو الزرقاوي و"أنصار السنة" يتقاطرون على العراق! 

بعد سقوط النظام وعودة قادة الأحزاب الطائفية هؤلاء إلى العراق حظوا بمباركة السيد على السيستاني ودعمه الكبير لهم مطالبا بوجوب الإسراع بإجراء الانتخابات غير معترض على ظهور صورته المؤثرة في الناس على أوراق دعاياتهم الانتخابية بينما نصح خبراء كثيرون بضرورة تأجيلها لفترة انقالية إنضاجية تمتد لخمس سنوات في الأقل!

عند كتابة الدستور أدرجوا فيه صفحات من إعلان شيعة العراق كديباجة طويلة في سابقة لا وجود لها في دساتير العالم ولعبوا دورا حاسما في تقييد كل مادة حرة ديمقراطية بعبارة "على أن لا تتعارض مع مبادئ الإسلام" ويقصدون بها المذهب أيضا، وحجتهم في ذلك أنهم يريدون حماية قيم ومبادئ أتباع أهل البيت! 

إن كون الشيعة هم الأكثرية في البلاد لا يعني أن قادة الأحزاب الإسلامية لهم الأكثرية وحق الحكم أيضا. فالأكثرية لدى مجتمعات العالم المتحضرة هي سياسية لا طائفية. والشيعة متنوعون في تفكيرهم واتجاهاتهم السياسية، فيهم المستقلون والديمقراطيون والقوميون والشيوعيون والبعثيون وحتى الملحدون، وفيهم أتباع المذهبية الأخبارية وجماعة الخالصي وغيرهم ممن هم قريبون من كافة المذاهب الإسلامية!

لكن هذه الأحزاب استلمت الحكم وفق دعوى المظلومية ومنذ 2003 مضى قادتها في تناهب المناصب والمواقع واقتسامها بين عوائلهم وأصحابهم وأعوانهم القادمين من إيران المشبعين بأحقادهم على العراق وأهله!

فأقاموا كيانا مشوها ممسوخا يحكم ويروج للخرافة والشعوذة والدجل والكذب والتضليل بل أعطوه قداسة وتبجيلا دينيا عبر فتاوى المرجعيات فهيمنوا به على خزائن البلاد، وثرواتها يغرفون منها بشهية جهنمية. متبعين قاعدة "لكي تكون فاسدا كبيرا وتمر بغنيمتك بسلام افسد من حولك ولا تقرب إليك غير الفاسدين واجمع ملفات فضائح على هذا وذاك"!

استطاع حزب الدعوة لعوامل كثيرة تقدم صفوفهم ولم يجد صعوبة في ضم الأخوان المسلمين لسلطته فهو نسختهم الشيعية والمطابق لهم مزاجا وأخلاقا واستعدادا لاستثمار الدين كتجارة رابحة! واجتذب مجموعات أخرى من الانتهازيين والمنتفعين السنة كديكور وشهود زور فأغتنى هؤلاء وطفحت حساباتهم في بنوك بيروت وسويسرا فصاروا نماذج للبلاهة والفساد والاستهتار فأخذوا علنا يبيعون الوزارات والمناصب والمقاولات الوهمية في الملاهي وصالات الفنادق في عمان والإمارات وبيروت ويتباهون في كونهم حواضن للإرهابيين والقتلة والمجرمين وإنهم ممثلو السنة أصحاب المظلومية الجديدة!

برز مقتدى الصدر متزعما للشيعة من داخل البلاد، وقد حاول تمييز نفسه عن رؤساء الأحزاب الشيعية القادمين من الخارج وطروحاتهم الطائفية المستفزة، فلم يتحدث عن المظلومية، ودخل في خلافات واحترابات دموية معها ومع سلطتها إلا إنه سرعان ما شاركها العملية السياسية واقتسم معها مغانمها ومواقعها وصار له نواب ووزراء كثر في الدولة افتضح بعضهم بأعمال فساد فطردهم من صفوفه.

ظهر حزب المهدي جناحه العسكري بقوة في الحرب الأهلية التي اندلعت بين الشيعة والسنة إثر تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء والذي كشف قائد القوات الأمريكية كيسي أنه كان بتدبير من إيران!

وعندما تفاقمت اعتداءات وتجاوزات جيش المهدي قام مقتدى بتجميده وحله فخرجت منه ميليشيات متطرفة كثيرة أخطرها عصائب أهل الحق!

قطع مقتدى طريقا طويلا ومتعرجا ومعقدا ليصل إلى موقعه الأخير الخاص به وليندد بقوة بالنهج الطائفي وينادي بالوطنية. كانت آخر جولاته أنه قطف ثمار الانتفاضة السابقة بالصناديق الانتخابية "لسائرون"، وهو يبدو الآن الأقرب للمنتفضين كما إن المنتفضين لم يهاجموا مقراته أو يتعرضوا لنهجه السياسي بنقد أو معارضة! لذا ثمة من يقول أنه يساهم في تأجيج الانتفاضة ليحول دون تمرير مؤامرة تحاك ضد فوزه الانتخابي كما حدث لعلاوي مع المالكي!

بعد أن تمكنت أحزاب المظلومية الشيعية مع حكام طهران من أقامة حلف سري صارت فيه مصالح إيران هي العليا انقلبوا على الأمريكان وطالبوا بخروجهم فحقق لهم أوباما ذلك سريعا لتوقيع الاتفاق النووي مع إيران! وأصبح الحكم في بغداد امتداد للحكم في طهران ويتفرع منه إلى لبنان وسوريا واليمن وكان ثمن هذه الشبكة الإستراتيجية عشرات مليارات الدولارات تخرج من ميزانية العراق سرا إلى بنوك طهران! ولا أحد يعرف هل هي رواتب ومصاريف جيب للمستشار متعدد المواهب قاسم سليماني أم هي مجرد ودائع للعراق لدى إيران! لكن ملالي طهران قطعوا الكهرباء عن العراق مدعين أنه لم يسدد حساباته بالدولار ، أين ذهبت تلك المليارات؟ وأين ذهب المليار دولار الذي ألقي القبض عليه في وكر لحزب الله في بيروت ولم يعد أحد يسمع عنه شيئا؟

فعلو كل ذلك بدعوى المظلومية، وبينما أموالهم وقصورهم ويخوتهم وأرصدتهم تتضخم وتتسع نجد معظم الشيعة الذين صعدوا على أكتافهم في ضيم وفقر وعوز، لا كهرباء لديهم ولا ماء صالح للشرب، ولا مستشفيات كافية لا مدارس ولا تعليم صحيح ( يعلمون أولادهم في المدارس طرق التطبير، وكيف يصلي الشيعي وكيف يصلي السني،وأسئلة الامتحانات تباع علنا ) وإذا تقدم أحدهم لوظيفة صغيرة "عامل أو شرطي؛ أو فراش" لا يحصل عليها إلا إذا دفع رشوة بآلاف الدولارات! كيف لا ينتفضوا ويثورا؟