&يتلقى محرك البحث العملاق غوغل يوميا ملايين الأسئلة عن يوم الحساب والآخرة والجنة والنار. ولكن من يسأل إن كان مصيره جهنم فانه زارها اصلا وإن كانت زيارته بتأشيرة سياحية. والسؤال الوحيد هو ما إذا كان سيعود للاقامة الدائمة فيها. ففي جهنم يوجه حراس الحدود اسلحتهم نحو الداخل لمنع المقيمين من الهروب.&

لم يتعين على احد ان يتخيل جهنم بل هناك ثقافات لم تظهر فكرة جنهم قط فيها. ولكن الآن وقد اختُرعت الفكرة يكاد ان يكون من المحال الغاؤها. فان جهنم من تلك الأفكار التي، على غرار فكرة الصفر، تجعل من الممكن التفكير بامعان في العالم الذين نعيش فيه. وقد لا تكون جهنم موجودة مثلما ان الصفر لا يوجد كشيء ملموس ولكن هذا لا ينال من واقع الصفر ومن واقع جهنم على الاطلاق. وُصفت جهنم بطرق شتى، من التصوير المستفيض حتى أدق التفاصيل الى البساطة المخيفة، ولكن اوصاف جهنم كلها تشترك في أمرين هما الألم والعدالة. وهذه العلاقة تميز جهنم عن غيرها من أشكال الحياة الأخرى. ليست هناك عدالة في العالم السفلي اليوناني أو الروماني. ومهما كان الانسان صالحا أو طالحا فان هذه هي نهايته. ولكن جهنم التي تستبد بخيالنا اليوم جهنم كل من فيها دخلوها لسبب، ومن اسباب عذابهم انها لم تكن مفروضة عليهم بل كان الجائز ان ينتهي بهم المآل في المكان الآخر، في الجنة. وهكذا تكون جهنم حالة من المعاناة المبرَّرة لكنها لا تُطاق. وهذا يجعل فكرة جهنم فكرة معقدة. فأولا هناك الاعتراض القائل ان اشكال العذاب في جهنم اسوأ مما يستحقه أي انسان. وإذا كان أمر ما لا يُطاق فجيب ألا يطيقه أحد. وليس هناك حل. وحين تدخل جهنم تعرف ان معاناة لا تُطاق تنتظرك في هذا المكان. وما إذا كان يجب ان توجد هذه المعاناة التي لا تطاق أو لا توجد فان هذا سؤال لا معنى له، بل نحن لا نعرف ما إذا كنا نؤمن حقا بأن هناك مَنْ يستحق عذابا ابديا لا يُطاق.&
الاعتراض الآخر اكثر تعقيدا وهو يتمثل في السؤال: إذا كنتَ تعرف سبب وجودك في جهنم، هل تكون جهنماً في هذه الحالة؟ وإذا كانت جهنم موجودة بوصفها شكلا من اشكال السيطرة الاجتماعية، وعبرة مخيفة لكل مَنْ في خارجها فالعدالة تقتضي ان يعرف المحكوم عليه بالنار لماذا انتهى به المطاف في جهنم. وهذا ما يحدث في جحيم دانتي، وفي حياة البشر الاعتيادية يمكن ان تترابط الجريمة والعقاب بحيث يبدوان وجهين لعملة واحدة وبالتالي فان فهم ما فعلته بآخر يحمل معه حكمه بالعذاب ندماً على ما فعلته.&
أن تعرف ان ما تعانيه هو ما تستحقه يوفر نوعاً من المواساة، والمواساة تتناقض مع روح جهنم. يضاف الى ذلك، إذا كانت جريمتك ذات طابع يمكن تحديده فالعقاب ايضا يمكن ان يكون محددا. وسيكون للجرائم عقاب حسب حجمها وجسامتها، وما ان تُقر هذه الفكرة حتى تصبح جهنم مَطْهراً: الآلام نفسها ولكنها محدودة. واللعنة الحقيقية يجب ان تكون لعنة ابدية، وبالتالي فان الملعون يجب ألا يفهم ابدا سبب وجوده في جهنم.&
ما السبيل الى الافلات من هذا المصير؟ يقول الكاتب اندرو براون الفائز بجائزة اورويل على كتابه "الصيد في يوتوبيا"، ان هذا يعتمد على فكرة العدالة التي تؤمن بها. ومن الواضح ان هناك آلهة وافكارا عن العدالة تحكم على جميع غير المؤمنين بنار جهنم لمجرد انهم غير مؤمنين. ولكن إذا كانت جهنم مكانا تدخله بجهود فردية وليس بالانتماء الى جماعة فيجب ان يكون بمقدورك ان تتجنب الأشياء التي توصلك الى جهنم. وهنا تكون النصحية صعبة. ويكتب براون في صحيفة الغارديان انه كان لدى الكنيسة الكاثوليكية مخطط حيث يمكن للمسيحي ان يأمل بمعرفة فرص انتهاء المآل به في المكان المنشود وليس في جهنم. ولكن هذه المخطط انتهت صلاحيته مع التطورات التي حدثت خلال نصف القرن الماضي. وكثيرا ما يُسأل إن كان أي شيء من هذا حقيقيا. وإذا كانت جهنم غير موجودة والموت مصيرنا المحتوم فكيف يمكن ان ندخلها؟&
يشير براون الى ان الفيلسوف الكاثوليكي نيكولاس لاش اوضح ان جهنم ليست جزء من الواقع الموضوعي الذي يمكن ان يُدرس بمناهج البحث العلمي. ولكن هذا يصح علينا نحن ايضا. فنحن جميعا أسرى ذاتياتنا اثناء وجودنا في هذه الدنيا. وحتى إذا لم تكن جهنم حقيقية بالنسبة لمناهج البحث العلمي فالقول بأنها حقيقية بالنسبة لنا نحن يكون كافياً. وبحسب لاش فان اللعنة الأبدية ـ او نقيضها ـ يجب ان تكون شيئا نعيشه قبل ان نموت، ربما إذا أمضينا اللحظة التي تسبق الموت مباشرة في جهنم. ولعل هذا هو السبب في الحكم على من ينتحرون بأنهم ملعونون. وقد يبدو رأي الفيلسوف الكاثوليكي مستبعدا ولكنه على الأقل ليس مستحيلا من الزاوية المنطقية، بحسب الكاتب اندرو براون مشيرا الى ان الشيء الوحيد المستحيل هو ان نخبر كوننا ميتين. فالأمر الأساسي في الفناء هو ان احدا لا يمكن ان يكون موجودا بعد موته لكي يعرف ما حدث.&
في ضوء ما تقدم يكون السؤال المثير حقا ليس ما إذا كنا سندخل جهنم لأن كل حياة تقريبا تتضمن ممرات تفضي الى هناك، بل السؤال هو ما إذا كان بمقدورنا ان نأمل بالفرار منها حين نكون موجودين فيها. وبحسب براون فان غالبيتنا يستطيعون الفرار منها بعد دخولها، إذا توفرت الرحمة.&
&