للمرة الاولى منذ ست سنوات، توحد السوريون الذين فرقتهم الحرب بين موال ومعارض، على تشجيع منتخبهم الوطني الذي يخوض الثلاثاء مباراة حاسمة ضد ايران، قد تؤهله للمشاركة في نهائيات كأس العالم لكرة القدم للمرة الأولى في تاريخه.

ويحلم السوريون المقيمون في مناطق تحت سيطرة القوات الحكومية أو الفصائل المقاتلة ان يحقق منتخبهم الفوز على ايران برغم تناقض مواقفهم إزاءها بوصفها من أبرز حلفاء الحكومة السورية.

في دمشق، يشرف علي منذ ساعات الصباح الاولى الاثنين على التجهيزات النهائية في مقهاه لاستقبال اكثر من 500 شخص حجزوا أماكنهم لمتابعة المباراة الحاسمة ضمن الجولة الأخيرة من تصفيات المجموعة الآسيوية الأولى المؤهلة لمونديال 2018 في روسيا.

ويقول علي "قطعتُ عهداً على الزبائن أن أقدم لهم الحلويات مجاناً إذا ربحنا وتأهلنا" الى المشاركة الأولى في تاريخ سوريا في كأس العالم.

وضع علي أعلاما سورية صغيرة على كل طاولة، ورفع صورة كبيرة للمنتخب كتب عليها "سوريا ... الفرح بيلبقلك".

وعلى رغم ان المقهى لا يتسع سوى لـ350 شخصا، أصر كثيرون على الحضور وان وقوفا، وفق ما يقول علي.

ويبدو المنتخب السوري في موقع المنافس الجدي لبلوغ المونديال، اذ يحتل المركز الثالث في مجموعته بفارق نقطتين خلف كوريا الجنوبية، وبفارق الأهداف عن أوزبكستان الثالثة. وفي حال فوز سوريا على ايران المتصدرة (21 نقطة) التي ضمنت تأهلها، ستكون سوريا - بحسب نتيجة لقاء كوريا وأوزبكستان الثلاثاء أيضا - أمام فرصة الحلول ثانية والتأهل مباشرة، أو ثالثة وخوض الملحق الآسيوي.

- شاشات وسماعات -

وعلى غرار علي، ينتظر العديد من السوريين بفارغ الصبر المباراة التي من شأنها ان تضع جانبا، وان بشكل موقت، سنوات الخلافات السياسية والمصاعب الاقتصادية في بلد يشهد منذ العام 2011 نزاعا أودى بحياة أكثر من 330 الف شخص.

وحالت الأوضاع الأمنية دون خوض المنتخب المباريات المحتسبة على أرضه، في سوريا، بل اضطر للانتقال الى ماليزيا لخوضها.

وبتوجيه من وزارة السياحة، تجري التحضيرات لعرض المباراة على شاشات ضخمة في الساحات العامة في المدن التي تسيطر عليها القوات الحكومية. وستبث المباراة مباشرة على شاشات ضخمة في ملعب الجلاء وساحة الامويين في دمشق. 

على خطوط الجبهة في محافظة درعا جنوبا، حاول الجندي في الجيش السوري سونيل علي (33 عاما) اقناع زميل له بتبديل فترة المناوبة لكي يتسنى له متابعة المباراة بهدوء على التلفاز. 

فشل سونيل في مسعاه، ولم يجد امامه سوى ان يشتري سماعات تتيح له متابعة المباراة عبر المذياع.

ويقول لوكالة فرانس برس عبر الهاتف "أنا عسكري منذ سبع سنوات في الجنوب السوري (...) وسيكون خبر تأهل المنتخب السوري للمونديال مفرحا بالنسبة لي اكثر من خبر التسريح" من الجيش.

ويضيف "اذا تأهلنا سيسمع فرحتي المسلح الذي يرابض على الجهة الثانية من الجبهة (في إشارة الى مقاتلي المعارضة)، وقد يرد علي هو ايضا بالتكبير".

ويتابع "المنتخب هو منتخب سوريا كلها، سوريا بما فيها من معارضين وموالين".

وفي مدينة الحسكة التي يسيطر الاكراد على الجزء الاكبر منها، تتحضر المقاهي ايضا لاستقبال مشجعي المنتخب.

ويبدو ان الخلافات السياسية ذابت ايضا في المنتخب نفسه، اذ عاد الى صفوفه مؤخرا بعد غياب طويل، لاعبون عرفوا بدعمهم للمعارضة أبرزهم فراس الخطيب.

- "انه المنتخب السوري" -

وفي مناطق سيطرة الفصائل المقاتلة، يترقب السوريون ايضا المباراة على اعتبار ان نتيجتها ستعد فوزا لسوريا وليس لطرف سياسي.

في مدينة بنش بريف محافظة إدلب (شمال غرب) التي تسيطر عليها فصائل إسلامية مسلحة، يقول غيث السيد (19 عاما) لمراسل فرانس برس "نشجع هذا المنتخب ولا نشجعه".

ويضيف "في النهاية، ان كان بعد عشر سنوات او عشرين سنة، سيُقال سوريا تأهلت ولن يقولوا بشار الاسد او نظام بشار الاسد من تأهل لكأس العالم".

يبدو غيث مطلعا على الحسابات المعقدة في المجموعة الآسيوية الأولى التي تضم المنتخب السوري. ويرى ان تأهل الأخير سيكون بمثابة "معجزة في ظل الاوضاع التي نعيش فيها"، مضيفا "وجود الفريق ضمن التصفيات يُخرج بعض الناس من أجواء الحرب".

يحاول لاعب كرة القدم في الفريق المحلي لمدينة بنش ابراهيم شاكر (19 عاما) ان يفرق بين السياسة والرياضة. 

ويقول "من الناحية السياسية انا ضد الفريق، أما من الناحية الرياضية فأنا أدعم أي فريق أو منتخب عربي يلعب في تصفيات كأس العالم"، الا انه يشدد على عدم قدرة المنتخب على توحيد السوريين "بعد كل من حدث من مجازر وقتل ودماء ودمار". 

في الغوطة الشرقية، معقل الفصائل المعارضة قرب دمشق، ينتظر السكان المباراة بفارغ الصبر.

ويقول وافي البحش (39 عاما)، رئيس نادي بلدة كفربطنا الرياضي، "الناس كلها متحمسة (...) وينتظر الكثيرون ان يأتي يوم غد".

يضيف "هنا لا نريد ان ندخل الرياضة في السياسة، حلمي ان تتأهل سوريا للمونديال. هذا المنتخب ليس منتخب سوريا الاسد، انه المنتخب السوري".