تدخل العلاقات العراقية السعودية منعطفا مهما بنكهة رياضية-سياسية، مع استضافة محافظة البصرة مباراة ودية بين منتخبي كرة القدم في البلدين، في أول زيارة لـ "الأخضر" السعودي الى بلاد الرافدين منذ نحو 40 عاما.

وتعود آخر مباراة للمنتخب السعودي على الأرض العراقية الى العام 1979، عندما شارك في بطولة كأس الخليج التي استضافتها بغداد. أما مباراة الأربعاء، فتأتي ضمن استعدادات المنتخب السعودي لخوض غمار نهائيات كأس العالم 2018 التي تنطلق في حزيران/يونيو في روسيا، وتشكل جزءا من مسار تصاعدي في التقارب السياسي بين البلدين مؤخرا.

وبعد قطيعة رياضية طويلة بدأت في تسعينيات القرن الماضي وأتت انعكاسا للتوتر السياسي، تخفي عودة المنتخب السعودي في طياتها العديد من العوامل السياسية والدبلوماسية، منها التنافس الخليجي على نفوذ في العراق، وسعي الأخير لرفع الحظر المفروض من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) على استضافته المباريات الدولية الرسمية، لاسيما بعد إعلانه "النصر" على تنظيم الدولة الاسلامية وتحسن الأوضاع الأمنية.

وفي إشارة الى الأهمية التي يوليها العراق لهذه المباراة ودورها في المساهمة برفع الحظر، كشف متحدث باسم الفيفا ان رئيس الأخير السويسري جاني انفانتينو "تلقى دعوة لزيارة العراق في 28 شباط/فبراير".

وأكد المتحدث ان انفانتينو يدرس تلبية الدعوة ولم يتخذ قرارا بشأنها بعد.

ويتوقع ان يكون قرار رئيس الفيفا بشأن الزيارة مؤشرا الى وجهة رفع الحظر أو إبقائه، لاسيما وان انفانتينو قام في مطلع كانون الأول/ديسمبر الماضي بزيارة سريعة الى الكويت أعلن خلالها قرار رفع الحظر المفروض منذ عامين على كرة القدم الكويتية بسبب التدخل السياسي بالشأن الرياضي.

ويعول العراق بشكل أساسي على الدعم الخليجي، لاسيما السعودي، للدفع في اتجاه رفع كامل لحظر استضافة المباريات الدولية الرسمية، بعدما قام الاتحاد الدولي العام الماضي بتخفيف هذا الحظر المفروض منذ أعوام، وسمح بإقامة المباريات الودية الدولية فقط على ثلاثة ملاعب في مدينتي كربلاء والبصرة الجنوبيتين، وأربيل مركز إقليم كردستان الشمالي.

وقال وزير الشباب والرياضة العراقي عبد الحسين عبطان في مقابلة مع وكالة فرانس برس الأسبوع الماضي، ان "السياسة لا تغيب في أي مجال، وللسعودية ثقل سياسي كبير، وحضوره إلى العراق يعني الكثير لنا".

أضاف "هذا سيفتح شهية المنتخبات والدول الأخرى لزيارة العراق، ومساندة ملفه المطالب برفع الحظر الكلي عن ملاعبه".

ويعتبر عضو الاتحاد العراقي كامل زغير ان "هذه المباراة تنطوي على أهمية كبيرة (...) لها دور مؤثر في مسار رفع الحظر عن ملاعبنا".

- انعكاس أزمة الخليج -

وتأتي المباراة الودية بعد توقيع العراق والسعودية اتفاقية تعاون رياضية في كانون الأول/ديسمبر الماضي خلال زيارة قام بها وفد رياضي عراقي الى الرياض. وأتت هذه الزيارة في إطار تقارب سياسي بين البلدين بعد أعوام من الجفاء.

ومرت العلاقات الرياضية بين العراق والسعودية بفترات مختلفة، ولطالما سارت بموازاة العلاقات السياسية. ففي ثمانينيات القرن الماضي اختار العراق مدينة الطائف مكانا لمبارياته بسبب الحرب مع إيران. وفي التسعينيات، ونتيجة غزو صدام حسين للكويت، أصبحت الملاعب الأردنية والإماراتية بديلة لخوض استحقاقات المنتخبات السعودية مع العراق.

ويأمل العراقيون في ان تكسر الزيارة السعودية حاجز الخوف والتردد لدى المنتخبات الخليجية من القدوم إلى العراق، خصوصا بعدما اعتذر الاتحاد الكويتي في اللحظة الأخيرة عن عدم المشاركة في بطولة رباعية تعتزم بغداد إقامتها في كربلاء الشهر المقبل، بينما وافقت قطر على الحضور.

وتلقى العراق في 15 شباط/فبراير رسالة دعم قطرية بزيارة وفد رياضي كبير إلى بغداد تقدمه رئيس اتحاد كرة القدم الشيخ حمد بن خليفة بن أحمد آل ثاني، وأتت بعد توقيع مذكرة مماثلة لتلك الموقعة بين السعودية والعراق.

وقال آل ثاني حينها "نتمنى ان مثل هذه الزيارات تنتج عنها أمور إيجابية أكثر بوجود منتخبات تلعب في بغداد (...) ونتمنى ان شاء الله ان يكون منتخب قطر من أول المنتخبات التي تلعب في بغداد".

ولقيت الزيارة القطرية الى بغداد انتقادات سعودية، لاسيما من رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة تركي آل الشيخ الذي يشغل أيضا منصب مستشار في الديوان الملكي ورئيس اللجنة الأولمبية.

ففي اليوم نفسه للزيارة، نشر آل الشيخ عبر حسابه على تويتر صورة لرئيس الاتحاد القطري مرفقة بتعليق "أجل بتساعد العراق؟! صار العراق مهم الآن سبحان الله ... ترا نفكر نلعب مع الصومال كان بتسبقونا".

- "بلد آمن"؟ -

ويأمل اتحاد الكرة ووزارة الشباب والرياضة العراقيين في ان تساهم المباراة الاستثنائية في تعزيز ثقة الفيفا بالملاعب العراقية وقدرتها على استضافة المباريات الرسمية. ومن هنا تبرز رمزية حضور انفانتينو من عدمه.

ويقول جيمس دورسي المختص بشؤون كرة القدم والسياسية في الشرق الأوسط، ان هذه الزيارة "ستكون مهمة لكن فقط لأسباب رمزية".

يضيف دورسي وهو باحث في كلية راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة، ان "الأمر الأكثر أهمية، هو معرفة فيما اذا سيذهب (فيفا) أو لا باتجاه رفع الحظر، لأنه اذا فعل ذلك سيدرج العراق كبلد آمن".

يتابع "من المهم بالنسبة الى العراقيين، لاسيما بعد هزيمة تنظيم الدولة الاسلامية، ان يتم النظر الى بلادهم على انها مكان آمن".

أما الأهمية الكروية، فتبدو انها تحتل المرتبة الأدنى في هذا الموعد.

ويقول مدرب المنتخب العراقي باسم قاسم "المباراة بروتوكولية أكثر منها فنية بالنسبة لنا، لكن تأثيرها كبير على كرة القدم العراقية".