&

&&في الآونة الاخيرة، زرت السيد معز السيناوي، الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية في مكتبه بقصر قرطاج. ولا أخفي أني شعرت منذ البداية بالغبطة لأنني لاحظت من النظرة الاولى أن القصر الرئاسي استعاد هيبته ووجاهته التي فقدها خلال السنوات الثلاث التي امضاها فيه الدكتور محمد المنصف المرزوقي الذي ظل رغم عيشه المديد في فرنسا، متعلقا بتقاليد وعادات قبيلته الصحراوية.&

وفي تلك الفترة، مررت أمام القصر أكثر من مرة لأرى الفضلات متراكمة امام المدخل، وفي نواحي أخرى. وأذكر أنني قرأت مقالا لصحفي فرنسيّ كان من المتعاطفين مع «ثورة الياسمين»، أشار فيه الى انه تضايق من الروائح الكريهة وهو ينتظر مقابلة الرئيس المؤقت محمد المنصف المرزوقي. وتناقلت ألسن التونسيين اخبارا كثيرة تشير جميعها الى الحالة البائسة والمزرية التي كان عليها القصر في السنوات الثلاث المذكورة. فقد وضعت لوحات الفنانين التونسيين التي كانت تزين المكاتب والمداخل في الأقبية، وتم العبث بالأرشيف الرئاسي، وأهملت الحديقة، وأصبح النظافة «ترفا بورجوازيا» من ارث نظام زين العابدين بن علي. وكل من يدعو اليها، ويتحدث عنها، يتحول الى «زلم من ازلام» النظام المنهار.&

 منصف المرزوقي

وكان الدكتور محمد المنصف المرزوقي يحرص على استقبال ضيوفه ملتفا في برنسه الاسود مثل شيخ قبيلة منقرضة. وكان يرفض وضع ربطة عنق قائلا بإنه لن يضعها ال اذا ما فعل ذلك «الشيخ» (يقصد راشد الغنوشي). وفي مكتبه، استقبل منحرفين كانوا قد انتسبوا الى ما كان يسمى بـ«لجان حماية الثورة» ليرتكبوا اعمال عنف في مناطق مختلفة من البلاد، معتدين على سياسيين وفنانين، ومخربين مقرات احزاب. وقد تركتهم حكومة «الترويكا» التي تتزعمها النهضة يفعلون ذلك من دون حساب ولا عقاب. وكان الدكتور محمد المنصف المرزوقي يبارك افعالهم، ويتصور معهم في القصر الرئاسي وقد بدت على ملامحه علامات الفخر والاعتزاز بهم. وسعيا منه للتقرب من السلفيين، استقبل شيوخا متطرفين كانوا يحرضون نهارا جهارا على العنف والارهاب باسم «الجهاد في بسيل الله»، و«نصرة الاسلام».

منصف المرزوقي خلال مؤتمر صحافي مشترك مع محمد مرسي في القصر الرئاسي في القاهرة
&
في القصر الرئاسي ايضا، كلف الدكتور المرزوقي فريقا من انصاره لنشر ما اصبح يسمى بـ«الكتاب الاسود» متضمنا قائمة باسماء السياسين والاعلاميين والمثقفين والجامعيين والفنانين متهما اياهم بـ«العمالة لنظام بن علي»، الامر الذي اثار غضب التونسيين وامتعاظهم. لذا راحوا يرفعون اصواتهم قاذفين اصحاب الكتاب باللعنات، والشتائم الموجعة. ولما تيقن المرزوقي ان الكتاب أضر به، وزاد في تشويه سمعته، سارع بسحبه. ويوم خروجه من القصر الرئاسي، تنفس التونسيون الصعداء، فكما لو أنهم يشهدون نهاية كابوس ظل يقض مضاجعهم، ويؤرقهم، ويفسد حياتهم على مدى ثلاث سنوات!

&