أهدر شيخ سلفي مغربي دم معارض سياسي بارز ووصف نساء حزبه بالبغايا، ما خلف شعورًا عامًا بالاستياء والغضب والقلق لدى المغربيين خوفاً من عودة التطرّف الذي قد يؤدي الى عنف وجرائم.


أيمن بن التهامي من الرباط: مثل السلفي عبد الحميد أبو النعيم، الخميس، أمام مصالح الشرطة في المغرب قصد مواصلة التحقيق معه حول اتهامه الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (المعارضة) بالكفر ووصفه لبعض النساء الاتحاديات بالبغايا.

وهاجم أبو النعيم، في شريط على يوتيوب، زعيم الاتحاد الاشتراكي بسبب دعوته، خلال مؤتمر التنظيم النسائي للحزب، إلى إلغاء تعدد الزوجات من قانون الأسرة المغربي، ومساواة الذكور والإناث في الإرث.

الحكومة تتحمل المسؤولية

أثارت تصريحات السلفي عبد الحميد أبو النعيم الكثير من اللغط في المغرب، حيث جرى تحريك مسطرة المتابعة القضائية، خاصة من طرف النساء الاتحاديات، بعد أن وصفهن المعني بالأمر بـquot;البغاياquot;.

وقالت حنان رحاب، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي: quot;بالنسبة لنا المدعو أبو النعيم يعتبر حالة شاذة داخل المجتمع المغربي المتسامح، الذي يؤمن بالتنوع ومبادئ الاختلاف. لكن هذه الحالة الشاذة لا تعني أنها ستكون الوحيدة أو ليست لها تأثيرات على المجتمع أو أننا لا نأخذفي الاعتبار هذا التهديد وهذه الجرأة في تصوير فيديوهات تحرض على هدر الدم والقتلquot;.

وأضافت حنان رحاب في تصريح لـquot;إيلافquot;: quot;نعتبر داخل الاتحاد أن ما جاء على لسان أبو النعيم وتصريحات أخرى مماثلة، هي تصريحات تزكي القتل واستعمال العنف وهدر الدماءquot;.

وحملت مسؤولية تنامي هذه التصريحات إلى الحكومة، وقالت: quot;نرى أن الطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع الموضوع، من خلال وزارة العدل والحريات، التي يوجد على رأسها وزير من العدالة والتنمية (قائد الائتلاف الحاكم)، هي صمت الجبان أو الصمت الذي يعني الموافقةquot;.

صمت رسمي

وأضافت القيادية الاتحادية: quot;لا يعقل في بلد مثل المغرب، لديه دستور يقر بسمو المواثيق الدولية والحريات الفردية والمساواة بين النساء والرجال، وفيه تراكم حقوقي وقانوني كبير، أن تصمت فيه وزارة العدل والحكومة عن مثل هذه التصريحات أو أن لا نقرأ إدانة لها، سواء رسميًا أو عبر قنوات غير رسمية، ولا نقرأ حتى إدانة من العدالة والتنمية، الحزب الأغلبي داخل الحكومة، ولا من طرف جناحه الدعوي (الإصلاح والتوحيد)quot;.

وأكدت حنان رحاب أن الحزب يعتبر أن quot;الحملة التكفيرية التي توجد حاليًا يمكن أن تتطور لأشياء أخرىquot;، وزادت مفسرة: quot;نعتبر أن جرنا لنقاش حول الإرث والإجهاض والتعدد هو فقط للهروب من النقاش الحقيقي الذي فتح في المؤتمر الوطني للنساء الاتحاديات، الذي هو الفصل الواضح بين الدين والسياسة وسمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية والإقرار بدولة المدنية. بمعنى إنما من يسمون أنفسهم بالإسلام السياسي متخوفون من نقاش إقرار الدولة المدنية وفصل الدين عن السياسةquot;.

مدنية الدولة والحريات

أضافت القيادية الحزبية في إفاداتها لـquot;إيلافquot;: quot;نسجل كنساء اتحاديات وكاتحاد اشتراكي للقوات الشعبية أن معركتنا من أجل إقرار دولة مدنية وإقرار سمو المواثيق الدولية والمساواة الكاملة بين المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات، هي معركة مستمرة وسندافع عنها ولدينا مجموعة من الخطوات التي سنقوم بها لدعمهاquot;.

وقالت: quot;نعتبر أن الحملات التكفيرية للمدعو أبو النعيم لا تمثله وحده، بل كل التيارات الإسلاموية التي لا تدين التكفير وهدر الدم ولا تدين العنف، وهي التيارات التي لم تعبر عن موقف أو إدانة عندما اغتيل المعارض اليساري شكري بلعيد والمنسق العام للتيار الشعبي (يسار) محمد إبراهيمي في تونس، وقبلهم فرج فودة في مصر، بينظير بوتو في باكستان، ونحن نعرف أن من قتل الزعيم اليساري بالمغرب عمر بن جلون أسماء تنتمي إلى المرجعية نفسهاquot;.

قراءات في تصريح السلفي

خيّم شبح التطرف من جديد على سماء المملكة بسبب تصريحات أبو النعيم وأخرى مماثلة كانت وراء تفجر نقاشات ساخنة.

وبدأت المخاوف من تطور هذه التصريحات إلى أفعال أخطر، بعد أن أصدرت جماعة التوحيد والجهاد بيانًا تدعو فيه إلى اغتيال إدريس لشكر.

وأكد عبد الرحيم منار السليمي، رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، أن quot;توقيت ومضمون تصريح أبو النعيم يقدم ثلاث قراءات متقاطعة، الأولى، مرتبطة بأبو النعيم نفسه الذي يمثل ما يسمى بسلفية الدارالبيضاء المختلفة عن سلفية الشمال أو سلفية فاس. فأبو النعيم يجمع مابين الفكر السلفي وفكر إمام المسجد الذي يراوح ما بين التشددية والإصلاحية. فالأمر يتعلق بإمام ارتبط بمسجد عمر بن الخيام بالدار البيضاء يعرف جيدًا متى يخرج ورقة التشدد ومتى يستعمل ورقة الاعتدال، ومن هنا فالتصريح يدخل ضمن زاوية التشدد والتكفير الموجه إلى فئة بعينها اختيرت بطريقة انتقائية، لتقدم صورة هجوم سلفي على فئة تنعث بالعلمانيةquot;.

أما القراءة الثانية، يشرح منار السليمي في تصريح لـ quot;إيلافquot;، فتتمثل في أن quot;التصريح جاء في مرحلة بدأت فيها المعارضة اليسارية تعود إلى خطاب ساد في أواخر التسعينات وبداية سنة 2000، مع تغيير المواقع، إذ أن الاتحاد الاشتراكي موجود في المعارضة اليوم، وهذا النوع من الخطابات الذي استعمله لشكر (الأمين العام) يحرك جناحاً كبيراً من المحافظين. ومن هنا فأبو النعيم لا يتحدث باسم السلفية ولكن نيابة عن تيار ديني محافظ عريض في المغربquot;.

وبالنسبة للقراءة الثالثة، يضيف رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، فإنها تركز على quot;خطورة تصريح لشكر ورد ابو النعيم، إذ أنهما يؤشران على بداية تكون قيادات في المجتمع: قيادة السلفيين الموجهة ضد اليسار وقيادة العلمانيين التي تخرج من وسط حزب يساري هو الاتحاد الاشتراكي، وهي بذلك تحيي صراعاً قديماً كان يعتقد بأنه انتهى. صراع يعود إلى الستينات والسبعينات من هنا جاء استحضار مرجعية اليسار التاريخية ومثقفيه في خطاب أبو النعيم. وهذا النوع من التجاذبات قابل للانزلاق وهنا تكمن خطورتهquot;.

تطرف متبادل

قال محمد الفزازي، وهو داعية وأحد أبرز رموز ما اصطلح عليه أمنيًا وإعلاميًا بـquot;السلفية الجهادية في المغربquot;، إن quot;التطرف من الجهتين مرفوض رفضاً تاماً، فالتطرف العلماني مرفوض والتطرف الديني مرفوض. وبلادنا في حاجة إلى الاستمرار على الاستقرارquot;.

وأضاف الفزازي لـquot;إيلافquot;: quot;الأستاذ لشكر أخطأ خطأ فادحًا لما تعرض للأحكام القطعية في القرآن الكريم، وهذا كان استفزازاً منه للجهة الإسلامية ورد أبو النعيم، تجاوز الحد، لأنه لا يجب أن يصل الى ما وصل إليه. فالتكفير المعين لا فائدة فيهquot;.