استدراك الأحداث بناء على النتائج الحاصلة والمتوقعة يغني في الغالب عن الانشغال بمتاهات تفاصيل البحث عن أصل الحدث ودعائمه.

الحديث ينطبق على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ( داعش ) والتي أسمت نفسها مؤخرا بالدولة الإسلامية وأعلنت الخلافة الإسلامية!.

العديد من المراقبين حاول تفكيك ماهية هذا التنظيم وسبر التناقض الحاصل في تحركاته على أرض العراق عنها بسوريا.فبالأولى شكل رأس حربة إعلامياً في محاربته للحكومة العراقية متحالفاً مع قوى عراقية مسلحة متعددة "مناهضة لسياسات رئيس الحكومة المنتهية فترته نوري المالكي ". مما أعتبر كمؤشر يحد من المصالح الإيرانية في العراق!

وبذات الوقت بدأ دوره بسوريا كمفكك للثورة الشعبية بمحاربته للفصائل التي تقود العمل المسلح (كالجيش الحر وجبهة النصرة المحسوبة على تنظيم القاعدة) ضد النظام السوري! مما يعطيه تصوراً مزدوجاً كغطاء للنظام السوري و كمساند لمناصري النظام وعلى رأسهم ايران!

رسالة هذا التناقض لا يمكن فهمها إلا من باب أنها توازي مصالح " عراب " هذا التنظيم الذي يريد أن يرسخ بالإرغام واقعا جديداً في المنطقة مقبولاً من دول الجوار وتحت ذرائع متعددة ليس اقلها توازن القوى من جهة أو مجابهة الإرهاب وتوسع هذا التنظيم لاحقا!

سعى تنظيم داعش في العراق منذ سنة 2003 " بعد سقوط بغداد وكان يسمى حينها قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين " بتكوين قاعدته كمرحلة أولى بتجميع شتات المقاتلين داخليا ومن ثم استفاد من تدفق المقاتلين العرب من الحدود السورية التي كانت تفتح لهم تحت مرئى وتسهيلات النظام السوري ذو العلاقة الوثيقة مع ايران، والذي كان متخوفاً حينها أن يطاله الغزو الأمريكي، وكمرحلة ثانية وسع قاعدته العددية بعد اندلاع الثورة السورية بانضمام مقاتلي الهجرة والأنصار " ذو خبرة قتالية " اليه والتي يمثل أفرادها جزء من جماعات اسلامية من عدة دول (افغانستان – الشيشان – طاجيك – اوزبك -جزء من أوربا).

من هزل السياسة أن يشكو نظام عن ما يسميه إرهاب وهو من يستقدمه لأراضيه ويمرره عبره للجوار! أو أن تدعي قوى عالمية بأنها تحارب الإرهاب وهي تغض الطرف عنه وترعاه ولا تقضي عليه في بدايته!!

ليس سراً أن كل هذا الاصطفاف والتمحور والتوسع لمقاتلي تنظيم داعش سواء بالعراق أو بسوريا كان يمر تحت نظر وتسهيلات أجهزة الاستخبارات الغربية والروسية ناهيك عن ايران وتركيا وإسرائيل في مقدمتهم!

(لكل منها مصلحة في جزء يخص تحقيق مصالح بلدانها إستراتيجيا ولكل منها تواجد وتأثير على أرض الحدث حسب مصالحها ).

في خطوه أشبه بأفلام بوليود انهار الجيش العراقي النظامي بالموصل (عدده بعشرات الآلاف من الأفراد) وترك جل عتاده من اليات ومدرعات وأسلحة تقدر بمئات الملايين الدولارات أمام أعداد قليلة من المقاتلين يتصدرهم إعلامياً تنظيم داعش (دون قتال على مستوى الحدث)! ونقل جزء من هذه الأسلحة لاحقاً الى سوريا عن طريق التنظيم،وبذات الوقت لم تتقدم داعش او القوى المتحالفة معه باتجاه كركوك ( منطقة نفطية متنازع عليها ) لاحتلالها ؟ بل سلمت الى الأكراد بعد ان أنسحب منها الجيش العراقي النظامي!

الى الآن لم يعلن سر انهيار الجيش العراقي النظامي بالموصل (لاحقاً ستتضح الأمور) ومن أعطى أوامر الانسحاب للقادة والجنود وترك أسلحتهم ورائهم! " ولا عن ما وراء الصفقة التي تم فيها تسليم كركوك لإقليم كردستان طواعية!

حسب ترتيب الأدوار أمريكا وقفت موقف المتفرج من الأحداث وألقت باللائمة على سياسة المالكي ولم تشعر بالخوف من وقوع اسلحتها بأيدي من تعتبرهم إرهابيين؟ على نقيض موقفها على مدى عامين بالامتناع عن تزويد المعارضة السورية المعتدلة بالسلاح لذات السبب!

بل ذهبت الى أبعد من ذلك بان طلبت من دول المنطقة التدخل بالِشأن العراقي لرأب الصدع وهي من تركت شؤون العراق مسبقا بيدها ويد ايران! ونتيجة للتقهقر والتقلب في السياسة الأمريكية بالمنطقة تشجع الروس لأن يكون لهم دور بالمنطقة وهو ما يحصل فعليا!

تركيا يهما امران متوازيان بالشأن العراقي بأن يكون هناك اتفاق مسبق حول حدود اقليم كردستان "لو أستقل كليا " بحيث لا تتمدد المطالب الى داخل حدودها، وضمان إمداداتها النفطية من شمال العراق لذا نجد ان الصوت السياسي التركي من الأحداث العراقية الأخيرة يقبع خلف طاولة الصفقات لا الإعلام!

على الطرف الأعمق تسعى ايران جاهدة للمناورة بالمنطقة العربية ككل "وتسرق الوقت من الآخرين " الى أن تكتمل منظومتها النووية العسكرية وتحقق حلمها بالدخول الى نادي الردع النووي ليساير طموحها التوسعي بالمنطقة بعدئذ، تماشياً مع إسرائيل.

داعش أصبحت مثل حصان طروادة (كمرحلة متقدمة من الفوضى الخلاقة وكبديل شرس عن فقرات ما يسمى بالربيع العربي الذي يتسم بالسلم بعنوانه لا مضمونه للتمكن ) الذي فتحت له امريكا أبواب المنطقة العربية ليكون عامل ضغط وإبتزازعلى دول الجوار أينما حل!

وقفة:

إعلان الخلافة الإسلامية من قبل تنظيم داعش كمسرحية عاطفية دون فصول!

&

&@sabah_alturki