عندما صرح اسحق شامير بأن اسرائيل مستعدة لعشر سنوات مفاوضات كان صادقاً، وعندما وقع الفلسطينيون اتفاق اوسلو غلبهم الحماس الشرقي واعتبروا أن مشكلتهم قاب قوسين من الحل (وتمثلوا محمود درويش عندما قال: قاب قوسين وأدنى، يا حبيبي وعدنا)، ودفعهم الكرم الحاتمي بتقديم التنازلات مجاناً (الاعتراف باسرائيل والغاء الميثاق الوطني الفلسطيني والتحدث باستيحاء عن حق العودة...الخ).

مر عشرون عاماً ولم يتقدم الفلسطينيون خطوة للامام بل هم في تراجع. والسؤال المطروح الآن هل لدى الفلسطينيين خطة سلام. الجواب الظاهري نعم. وتتلخص في قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران كاملة المواصفات كدولة والقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية وحل مشكلة اللاجئيين. هذه ليست خطة بل مجموعة شعارات يمكن استخدامها في المسيرات والاعتصامات. بكلام آخر فإن الفلسطينيين يؤيدون حل الدولتين. اسرائيل لديها خطة وتؤيد حل الدولتين كمت تراها هي. تريد دولة مسخ بلا صلاحيات أو جيش وأن تنسى هذه الدولة القدس وتقبل المستوطنات كبؤر استطانية شرعية وأن تقبل بالفيتو الاسرائيلي حول حق العودة، ولكنها لا تمانع في عودة اعداد بسيطة تحت بند "لم الشمل" ومن منطلق انساني كما تدعي (نذكر في هذا المجال الاقتراح الذي تبناه موشي كاتز رئيس لجنة فلسطين في حزب العمل حول عودة محدودة لمائة ألف فلسطيني. كان هذا بالون اختبار أثناء رئاسة باراك للحكومة الاسرائلية، وقد تم توبيخه بشدة على هذا الاقتراح). الخطة الاسرائيلية هذه ليست خطة سلام بل استبدال احتلال بنوع آخر من الاحتلال، وعندما يدرك الفلسطينيون أنهم في اوسلو قد عرض عليهم نزهة على حصان لا يعلموا وجهته، يكون الزمن قد حفر خندقاً عميقاً لا يستطيعون القفز فوقه.&

لا يمكن أن تقبل اسرائيل بحل الدولتين كما يطالب بذلك الفلسطينيون لسبب بسيط يتمثل في التوزيع السكاني. ففي اسرائيل فإن 20% من سكانها فلسطينيون، وفي الضفة الغربية هناك نصف مليون مستوطن ترفض اسرائيل انتزاعهم من مستوطناتهم. إذن هناك قنابل سكانية في كلا الدولتين، يضاف إلى ذلك الحقائق التي تخلقها اسرئيل في القدس. فحول القدس حزام من المستعمرات يخلق واقعاً جديداً في المدينة، ويومياً، تقوم اسرائيل بممارسات لتهويد المدينة بحيث يصعب الرجوع عنها. هذا الواقع على الأرض De-Facto لم تعالجه الادبيات السياسية الفلسطينية، ولم تقدم السلطة الفلسطينية أية دراسا ت جادة لمعالجة هذا الواقع، حيث لا يكفي التمترس حول مطالبنا دون قولبتها بأفكار وخطط واقعية قابلة للتنفيذ والاكثر من ذلك أن يقبلها العالم.

هناك أوراق عديدة مع الفلسطينيين يمكن اللعب بها. أهم هذه الاوراق فضح الطبيعة الكولونيالية للصهيونية والطابع العدواني لدولة اسرائيل، إضافة إلى تمزيق الثوب الذي تلبسه اسرائيل بأنها دولة ديمقراطية وانها واحة للديمقراطية في منطقة الشرق الاوسط الملتهبة. فالدولة التي هوية شعبها تتحدد بالانتماء الديني أو العرقي وليس بالمواطنة فإنها دولة عنصرية ولا يمكن أن تكون ديمقراطية، لان أي شخص لا ينتمي لدين الدولة أو العرق يعتبر مواطناً من الدرجة الثانية.&

كذلك، لا بد أن تكف السلطة الفلسطينية على وضع كافة أوراقها في السلة الامريكية، فامريكا لا تملك خطة سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، بل هي تعتمد الموقف الاسرائيلي وتدافع عنه والمتمثل في مفاوضات لانهائية وأن تقوم السلطة في اثناء ذلك بمهام الاحتلال من ادارة ذاتية وحل المشاكل اليومية باشراف اسرائيلي. رغم أهمية الولايات المتحدة في السياسة العالمية ولكنها ليست العالم. لقد تغير العالم وبدأت بالظهور قوى جديدة أخذت ملامحها تتشكل، والجاهل الذي لا يلاحظ هذا التغيير. قد يأخذ هذا التغيير وقتاً قد يطول أو يقصر، والمطلوب التحضير لمواكبة هذا التغيير.

ادركت اسرائيل مبكراً أهمية لعبة الزمن، وبأن الزمن يلعب لصالحها، وهذا ما كتبه يعقوب هيرتسوغ في مفكرته "على أي حال، لا يوجد لدينا شعور بخيبة الأمل أو بالاحباط لرفض العرب فكرة مفاوضات السلام. هناك ادراك يتبلور بأنه كلما طال الوقت كان ذلك لصالحنا".

دع اسرائيل تلعب بالزمن، ولكن على الفلسطينيين الاّ ينتظروا، فالانتظار قاتل.