يتناول ديفيد فرنانديز بويانا في ورقته الجديدة السعي الأممي إلى تعزيز السلام العالمي بالقضاء على التمييز العنصري وكراهية الأجانب واللاتسامح، تنشرها "إيلاف" في عرضها شؤون الأمم المتحدة وشجونها منذ تأسيسها في العام 1945 حتى اليوم.

إيلاف: شهدت السنوات الأخيرة زيادة حادة في ما تناقلته الأنباء من أعمال تحريض على الكراهية العنصرية والإثنية والدينية. وفي القارات كافة، تقع الجماعات الضعيفة، لا سيما أفراد الأقليات، ضحية خطابات عامة تدعو إلى اللاتسامح والتمييز، وفي بعض الحالات إلى العنف الجسدي والنفسي. وهذه ترتبط في أحيان كثيرة بأنواع معينة من الجريمة، مثل تجارة المخدرات أو الهجرة غير القانونية أو النشل أو السرقة من المتاجر.
 
خطر العنصرية
إلى ذلك، تتسم معاملة المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء بالاشتباه في أن يكونوا مصدر خطر نتيجة التركيز المفرط على أولوية الأمن على حساب القانون الدولي لحقوق الإنسان في السياق السياسي السائد حاليًا.
 
وبحسب المقرر السابق، المعني بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب واللاتسامح المرتبط بها، فإن التمييز والعنصرية وكراهية الأجانب عوامل ترفض بحكم تعريفها الاعتراف بوجود اختلافات أو الامتناع عن الاعتراف بوجودها. 
ولا تتطلب مكافحة العنصرية تحديد مظاهرها وتعبيراتها فحسب، بل تحليل أسبابها الأساس وفهمها على نحو أفضل ايضًا. يمكن أن تغذي الثقافة العنصرية والكارهة للأجانب، التي عادت إلى الازدهار من جديد، دينامية صراعات بين الثقافات والحضارات وأن تنمّيها لتشكل أخطر تهديد للسلام العالمي.
 
إن عدم الاعتراف بالتعدد الثقافي عامل أساس من عوامل العنصرية، وهو القضية المركزية في الأزمة التي تمر بها اليوم غالبية مناطق العالم. وتنشأ أزمة الهوية من الحيرة بشأن الحفاظ على هوية متمحورة إثنيًا أو الاعتراف بواقع التعددية الثقافية والدينية.
 
روح مؤتمر ديربان
يجب ألا تقف الهوية عقبة، بل ينبغي أن تتيح الحوار والتفاهم المتبادل وإعادة اكتشاف قرب الآخر والتعددية. ويجب ألا يُفسر مفهوم التنوع بأنه اختلاف جذري ولامساواة وتمييز ضد الآخر، إنما هو عنصر حيوي يتيح بناء رؤية اجتماعية جديدة تقوم على جدل الوحدة والتنوع وتعزيز قيمة التلاقح بين الثقافات والشعوب والهويات الإثنية والأديان. ويجب أن تقود هذه الرؤية الاجتماعية الجديدة إلى السلام.
 
خلال مساهمة المجموعة الأفريقية في مؤتمر ديربان، أعلنت أنه من الضروري تدعيم الحوار والسلام والتنوع الثقافي والتفاهم المتبادل في مواجهة ثقافة الخوف. وخلصت مجموعة أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي إلى أن تعزيز التسامح والقيم الثقافية المختلفة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بروح إعلان ديربان وبرنامج عمله.
 
يجب أن تكون السياسات والبرامج التربوية موجّهة نحو تعزيز السلام واحترام التنوع الثقافي وحقوق الإنسان العالمية. وبحسب ما أشار إليه فريق العمل الحكومي الدولي المعني بالتنفيذ الفاعل لإعلان ديربان وبرنامج عمله، فإن التثقيف بحقوق الإنسان يجب أن يؤدي دورًا بارزًا في مكافحة العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب واللاتسامح المرتبط بذلك، وتعزيز ثقافة السلام والحوار.
 
أهمية التربية
أكدت الفقرة الثانية من المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان دور التربية في تعزيز التسامح والتفاهم. فالتربية، بين أشياء أخرى، تنمّي التفاهم والتسامح والصداقة بين سائر الشعوب والجماعات العرقية أو الدينية، وترفد جهود الأمم المتحدة لحفظ السلام. 
 
يضاف إلى ذلك أن إعلان ديربان يؤكد تحديدًا العلاقة بين الحق في التعليم والنضال ضد العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب واللاتسامح المرتبط بذلك، ودور التربية الأساس، بما في ذلك التربية على حقوق الإنسان، والتربية التي تتفهم وتحترم التنوع الثقافي، لا سيما بين الأطفال والشباب، في منع كل أشكال اللاتسامح والتمييز واستئصالها (الفقرة 97).
 
كما تؤدي التربية دورًا غاية في الأهمية في تعزيز السلام وضمان التنمية في أوضاع ما بعد النزاع. ويوصي موتوما روتيري، المقرر الخاص المعني بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب واللاتسامح المرتبط بها، بما يضمن أن تكون التربية جزءًا لا ينفصل من برنامج تعزيز السلام والتقييمات التكاملية لأوضاع ما بعد النزاع، وتعزيز السلام في استراتيجيات التربية الوطنية.
 
دعم المهمشين والنساء
بما أن لشعوب العالم الحق في مساواة الفرص والتمتع بحقوقها الإنسانية، ومنها الحق في التنمية وفي العيش بسلام (إعلان ديربان وبرنامج عمله، التوطئة، الفقرة 21)، فيجب أن تشمل الخطوات التي تتخذها الحكومات للقضاء على العنصرية إجراءات اقتصادية واجتماعية لدعم المهمشين بسبب التمييز العنصري. 
 
وكما شددت المجموعة الآسيوية، فإن "الفقر ونقص التنمية والتهميش والاستبعاد الاجتماعي والفوارق الاقتصادية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالعنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب واللاتسامح المقترن بها، وتساهم في بقاء المواقف والممارسات العنصرية التي تسبب بدورها مزيدًا من الفقر".
 
تتبدى العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب واللاتسامح المرتبط بها على نحو متفاقم ومتمايز تجاه النساء والفتيات، "متسببة بتردي مستوى معيشتهن وتوليد أشكال متعددة من العنف والتقييد، أو حرمانهن من ممارسة حقوقهن الإنسانية...."، كما يجب تأكيد أهمية اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة والتوصيات العامة للجنتها، ولا سيما التوصيات العامة 19 (1992) في شأن العنف ضد المرأة، بمن في ذلك كبيرات السن والمهاجرات. والمطلوب شراكة متحولة تقوم على المساواة بين المرأة والرجل تكون شرطًا للتنمية المتمحورة حول الشعب والسلام العالمي.
 
القضاء على التمييز
إن التمييز والعنصرية ظاهرة متسعة تطال الأفراد ذوي الأصول الأفريقية والأقوام المحلية. وعلى الرغم من اتخاذ بعض الإجراءات القانونية والإدارية لتنمية الهويات الإثنية والثقافية والدينية واللغوية وتعزيزها وتقويتها، فإن مشاركة الأقليات في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لا يُعتد بها في الكثير من البلدان، حيث تسود سياسات عنصرية تقوم على التفوق أو كراهية الأجانب أو التمييز.
 
وكما هو مطلوب في المادة 4 من الاتفاقية الدولية للقضاء على أشكال التمييز العنصري، فإن على الدول اتخاذ إجراءات آنية وإيجابية، هدفها القضاء على كل أشكال التحريض على التمييز العنصري أو ممارساته. يضاف إلى ذلك أن لجنة حقوق الإنسان أعلنت في تعليقها العام رقم 18 أن مبدأ عدم التمييز مع المساواة أمام القانون وحماية القانون للجميع حماية متساوية بعيدًا عن أي تمييز، تشكل مبدأ أساسيًا وعامًا لحماية حقوق الإنسان.
 
غير قابلة للقسمة
أكدت خطة عمل الرباط التي أُقرت في عام 2012 في شأن حظر الدعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضًا على التمييز أو العداء أو العنف، أكدت مجددًا أن حقوق الإنسان حقوق عامة غير قابلة للقسمة ومستقلة ومترابطة. 
 
كما أعادت التذكير بالاعتماد المتبادل بين حرية التعبير وحقوق الإنسان الأخرى. وأتاح تحقيق حرية التعبير إجراء مناظرة عامة أعطت صوتًا لمنظورات وآراء مختلفة، وأدت دورًا بالغ الأهمية في ضمان الديمقراطية والسلام والأمن في العالم.
 
أعدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) استراتيجية متكاملة لمكافحة العنصرية والتمييز وكراهية الأجانب واللاتسامح، بالاستناد إلى سلسلة من الدراسات والمشاورات تناولت جوانب وأشكال مختلفة من التمييز وكراهية الأجانب، بما فيها قضية مكافحة الدعاية العنصرية في الإعلام، وخصوصًا الإعلام الإلكتروني.