&لا يمكن النظر إلى الانسحاب الروسي من سوريا إلا في سياق المفاوضات الدائرة في جنيف، فهو دليل قدمه بوتين على حسن النوايا الروسية، بهدف عدم جعل التدخل العسكري الروسي موضوعا على مائدة المفاوضات، ومن ثم مناقشة الأمور الجوهرية، أي أنها خطوة شكلية، ففي البداية تم فرض الهدنة والآن يأتي الانسحاب الروسي استكمالا لذلك وتمهيدا للدخول في الموضوعات الجادة، ولتشجيع المعارضة السورية على الدخول في المفاوضات وتقديم طروحاتها وتهدئة للعرب الذين بدا غضبهم واستعدادهم للقتال لحماية بلادهم واضحا في الفترة الأخيرة، ولكنه لا يغير شيئا على أرض الواقع، فروسيا لديها قاعدة طرطوس التي تستطيع اسئتناف القصف في أي وقت لزم الأمر. كما أنها يمكن أن تنسحب إلى خلف المشهد، وتعمل بواسطة إيران وحزب الله، وهو ليس بالأمر العسير خاصة بعد أن أضعفت جميع الأطراف المناوئة للأسد.&

إن المشكلة الحقيقية في سوريا هي إيران، وهي الدولة العنيدة التي تتمتع بطول نفس عجيب، ولديها من المقاتلين الذين يسعون إلى الشهادة والحور العين في الجنة، كما أن تصدير الغاز الإيراني من خلال سوريا جزء من الأمن القومي الإيراني الذي يستحق التضحية بكل شيء.&
على أية حال، فإن وقف النزيف السوري يثلج الصدر، ولكن بقاء إيران في سوريا وسحب سوريا وحزب الله من الصف العربي إلى الصف الإيراني هو ما تأسى له النفس، نظرا لأنه يمد العدو الفارسي ببعد استراتيجي في المنطقة العربية، ويطلق الأطماع الإيرانية فيها، وربما سيجد الأسد يوما ما جماعة من الشيعة المتشددين الذي يحاولون الإطاحة بنظام الحكم وتنصيب نظام ولاية الفقيه، فليس هناك حال يدوم، فإيران موجودة &في سوريا بظهير روسي ولها مأربان أحدهما عقائدي والآخر اقتصادي. وسوف تحصل عليهما بالتدريج، خاصة وأن حزب الله أصبح منبوذا عربيا، وليس له سوى التمسك بالدعم الإيراني والتنسيق الوثيق معه على الأرض السورية، لقد أصبح النظام السوري والحرس الثوري الإيراني وحزب الله أسرة واحدة وسوف يعملون معا على ضوء الإرشادات الروسية.&
باختصار، إن الانسحاب الروسي لم يغير شيئا على أرض الواقع، فلا زالت روسيا حليف إيران القوي بسبب المصالح الاقتصادية المشتركة، ولا تزال إيران متحالفة مع النظام السوري وحزب الله على أساس عقائدي، ولم تنفرط عرى هذا التحالف، ولكن خطوة الانسحاب هي شكلية لاستئناف المفاوضات، والخروج بغنائم ترضي الجميع ما عدا الشعب السوري.&
&