في عام 1978 كنت اعمل طبيبا في مشفى القامشلي بالاضافة الى عيادتي الخاصة . كانت لدي رغبة جامحة لمغادرة سوريا لدراسة الاختصاص . لم اتمكن من الحصول على تاشيرة الخروج بالرغم من محاولاتي الكثيرة .&
في احد الايام اتصل بي &احد الاصدقاء وهو فرحان رئيس فرع التأمينات الاجتماعية في القامشلي وقال ان لديه معرفة عن قرب بالرئيس الجديد لدائرة الهجرة والجوازات في محافظة الحسكة وانه سوف يحاول ان يتوسط للحصول على تأشيرة الخروج واتفقنا على السفر معا الى الحسكة . &
بعد ايام رن جرس الهاتف في العيادة . المتصل كان فرحان وقال انه الآن في اجتماع لفرع حزب البعث وطلب مني المجيء الى الفرع لننطلق الى الحسكة فور انتهاء الاجتماع قبل انتهاء الدوام في دائرة الهجرة والجوازات في الحسكة التي تبعد حوالي 90 كم عن القامشلي .
وصلت الى الفرع و كانت صالة الانتظار تغص باعضاء حزب البعث من كافة المستويات حيث انتهى الاجتماع توا . فجأة سمعت شخصا يناديني بصوت عالي ويقول :
شو شغلك هون يا دكتور.... وهو في حالة استغراب شديدة..... وبدأ بالاستهزاء والتنكيت بالحاضرين الذين كانوا يملأون الصالة ويتهكم بهم بكلمات نابية .....أصابني الذهول وطلبت منه عدم الاسترسال . الا انه استمر في تحقيرهم وقال : هادا شي عادي ..... بس انت شو جابك على هادا الاسطبل و... ضاحكا مستهترا . لم يعترض احد على كل تلك البهدلات التي سمعوها وبلعوا كل تلك الاهانات وكأن شيئا لم يحدث .
هذا الشخص كان يدعى ابو نضال وحتى الآن لا اعرف اسمه العادي و برتبة عريف في المخابرات العسكرية وكان ياتي الي في العيادة او المشفى بين الفترة والاخرى احيانا للمعالجة وفي اكثر الاحيان للحصول على الاجازات المرضية كسائر الموظفين في الدولة .&
خطرت هذه الحادثة على البال بعد ان ادلى بعض النكرات والحثالات شتائم وتصريحات حاقدة ضد الشعب الكردي في الايام القليلة الماضية . هؤلاء كانوا من الذين &يشغلون مناصب حكومية رفيعة في سوريا او يحملون الرتب العالية في الجيش والطيران .
كل السوريين يعرفون جيدا كيف ان عريفا في المخابرات كان يمسح الارض باكبر منصب حكومي من رتبة وزير فنازلا الى اكبر رتبة عسكرية تحقيرا وشتما واهانة بما فيه التعرض للاعراض بكل اسف .
هؤلاء كانوا يطأطؤون الرؤوس ويرضخون للاذلال والخنوع والانبطاحية بالابتسامة العريضة و بكل اريحية لان معظمهم كانوا يمارسون الفساد واللصوصية ويسرقون اللقمة من افواه الفقراء والشرفاء ويرقصون ويهزون الارداف تحت تلك الرتب المزركشة و في مناصبهم الحكومية العالية امام اصغر رتبة مخابراتية وهم يتلقون كل ماهو موجود في قواميس التهكم والتحقير والشتيمة .
هذا ليس بسر،بل كان امرا اعتياديا يوميا.....
هؤلاء الحرامية يعرفهم الشعب السوري جيدا وقد قضوا عمرهم في لحس سبابيط مخابرات النظام مقابل غض النظرعن سرقاتهم وفسادهم مع تمخطرهم بالرتب الملونة والالقاب الكاذبة .
&اليوم وبقدرة قادر صار هؤلاء وطنيين واتقياء . الا انهم لا يستطيعون التخلص من عاداتهم وسجيتهم التي تربوا عليها وهم يريدون الآن خلق فتنة بين الكرد والعرب . الذي باع نفسه مرة واحدة لن يتوانى عن ارتكاب اكثر الجرائم بشاعة كلما تسنح الفرصة وهذه المرة هواختلاق حرب بين شعبين .
العقود الطويلة من الدونية والانسحاق والتحقير والاهانة التي تعرض لها هؤلاء في مناصبهم على ايادي من كانوا دونهم رتبة ومنصبا حفرت في نفسياتهم اخاديد عميقة تحولت مع الزمن الى عقد نفسية مرضية .&
ان ماصدر عن هؤلاء ضد الشعب الكردي في الايام القليلة الماضية انما هو انفجار لتلك العقد النفسية العميقة للتنفيس عن احقادهم المرضية ضد كل من حافظ على كرامته ومبادئه وعاداته وتقاليده ولم يقبل الذل والهوان مثلهم .
اذا وصل هؤلاء الى حكم سورية فان المستقبل مظلم للبقية ايضا اي للعرب بسبب ان تصرفات هؤلاء ليست مواقف سياسية بل هي عقد مرضية كامنة في الاعماق وتتحول الى الحقد والانتقام والجريمة .
جينيف تنضح بهذه الشخصيات وعلى الكثيرين ان يأخذوا الحيطة والحذر لعدم الوقوع في مصائد وحبائل هؤلاء .
لو كنت مكان السيد دي ميستورا لكنت قد قدمت طلبا الى الوفد الحكومي السوري ان يدخلوا ابو نضال ضمن الوفد في الجولة القادمة لانه الوحيد الذي يستطيع التفاهم مع هؤلاء ولسوف يتم الوصول الى حل الازمة السورية بكل سهولة .
الكتابة عن الحاقدين والوصوليين والموتورين عمل شاق ولكن الهدف هنا هو ان اتجه الى الشعب &الكردي الذي ثارت ثائرته على هؤلاء بان عليه ان يفرق بين الشعوب وحثالاتهم .
هؤلاء يحملون الجنسية العربية بالولادة ولكنهم وبال على شعوبهم . حذار من الوقوع في فخ الفتنة وذلك بالتطاول على الشعب العربي الذي هو بريء منهم .
كل من يتعرض الى الشعب العربي ولو بكلمة تجريح واحدة فهو ليس كردي و ليس منا بل مندس و يجب محاسبته . الشعب العربي شعب جار وصديق وشقيق ولسوف نبني المستقبل لاجيالنا القادمة معا بالتراضي والاتفاق دون اللجوء الى العنف بما فيه الفيدرالية بل حتى حق تقرير المصير كسائر شعوب الارض .&
هذا الموقف مطلوب من العرب ايضا لوضع حد لتجاوزات الوصوليين والمتسلقين والمتطرفين والمحسوبين عليهم ظلما وبهتانا والتبرؤ منهم بشكل علني وصريح لمنع الانجرار الى صراعات و حروب اهلية يخسر فيها الجميع .

طبيب كردي سوري
&