&

امس – الأربعاء - تولت تيريزا ماي بشكل رسمي رئاسة الوزارة البريطانية كثاني إمرأة في تاريخ المملكة المتحدة بعد أن فتحت لها الباب مارجريت تاتشر ( 1925 – 2013 ) بتوليها المنصبين – زعامة حزب المحافطين ورئاسة الوزراة البريطانية - سنوات طويلة بين عامي 1979 – 1990..

أتي هذا التطور بعد تتابع لأحداث مكثفة ومتلاحقة لم تكن يخطر علي بال أحد قبل يوم 23 يونية الماضي الذي شهد استفتاءً جماهيرياً حول بقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوربي او خروجها منه، كشف ان غالبية المقترعين تفضل الإنسحاب، مما اوقع المجتمع البريطاني، نخبه وسياسيوه وعوام تياراته السياسية، في مشكلة لن تتنهي توابعها كما تتوقع معظم التقارير في القريب العاجل..

وتتالت الهزات السياسية تلك علي إمتداد أيام تعد علي اصابع اليد الواحدة..

* انقسام علي مستوي اكبر حزبين المحافظون والعمال، لا يقل في عمقه عن انقسام المجتمع ذاته..

* إختفاء أكثر اثنين قادا حملة الخروج من المنظمة الاتحادية الأوربية من المشهد السياسي.. انسحاب بوريس جونسون عمدة لندن السابق الذي كان يُنظر إليه كخليفة محتمل لديفيد كاميرون، من سباق الترشح لزعامة حزب المحافظين.. واستقالة نايجل فاراج من رئاسة حزب الإستقلال الذي يعد الأكثر عدائاً للأتحاد الاوربي وللمهاجرين الجدد إلي بريطانيا بصفة خاصة..

* رفض مجلس العموم لمطلب اكثر من أربعة ملايين بريطاني نادوا عن طريق التواصل الإلكتروني مع لجانه المتخصصه بعمل استفتاء آخر، لأن القانون لا يسمح بمثل هذه الخطوة..

بعد أسبوع واحد من تخلي ديفيد كاميرون عن رئاسة الحكومة البريطانية لكي يختار الحزب رئيس آخر له يتولي رئاستها من بعده، كنوع من الاعتراف السياسي بفشل حملته التى دشنها للبقاء ضمن عضوية الاتحاد الأوربي، اعلن خمسة من كبار قادة الحزب عن نيتهم الترشح لزعامة حزب المحافظين تمهيدا لتولي رئاسة الوزراة في أوائل شهر سبتمبر القادم في ضوء الأليات التى تفرض تقضي ياختيارهم وفق قواعد تنظيمية تتنوع بين اقتراع نواب الحزب داخل مجلس العموم لإختيار اثنين من بين المرشيحن، وقواعده المنتشرة في كل مكان..

لكن، وإتساقاً ما تشهده الساحة البريطانية من وقائع غير متوقعة..

بعد أسبوعين فقط من هبوب هذه العاصفة الهوجاء التى لم تترك شئ في شارغ السياسة بالمملكة المتحدة إلا وقلبته راساً علي عقب، تُوجت وزيرة الداخلية تيرايزا ماي زعيمة لحزب

المحافظين منتصف نهار الاثنين الماضي ( 11 الجاري ) بعد ان إنسحبت منافستها اندريا ليدسوم – وزيرة الدولة لشئون الطاقة - من حلبة المنافسة، ليس لأنها حصلت فقط 84 صوت من بين اصوات اعضاء مجلس العموم من المحافظين ( عددهم 329 عضو ) في التصويت الذي جري يوم الجمعة – 7 الجاري - ولكن لأنها قوبلت بحملة شعبية ناقمة بعدما وصفت في احدي مداخلاته الصحفية تيريزا بأنها الأصلح لتولي رئاسة الوزراة " لأنها أم " الأمر الذي كلفها الإعتذار لها علانية قبل ان تبلغ وسائل الاعلام بانسحابها " لأنها لم تحصل علي الدعم الكافي من نواب حزبها في المجلس النيابي، كما أنها اقتنعت بعدم قدرتها قيادة حكومة البلاد في الفترة القادمة ".

الزعيمة الجديدة&تبلغ من العمر 60 عام، وتعد من اكثر وزراء الداخلية تحملاً لمسئولية المنصب الوزاري ( تولته لأول مرة عام 2010 ) الذي جذب إليها الأضواء بعد ان نجحت عام 2013 في ترحيل الاسلامي المتشدد أبو قتادة ( فلسطيني الاصل ) إلي الاردن، حيث تمكنت بقيادة مستشاريها القانونيين من دحض الأسانيد التى اعتمدت عليها محكمة العدل الأوربية وحكمت لصالح بقاءه في بريطانيا وعدم ترحيله إلي هناك خشية ان يتعرض لمحاكمة غير عادلة بعد ان حصلت من الحكومة الأردنية بتعهد بعدم التعرض له بشكل غير قانوني..

تتميز بالقدرة علي الموائمة بين مختلف الأراء، فهي وان كانت من دعاة بقاء بريطانيا داخل منظومة الاتحاد الأوربي، إلا انها تعهدت بالعمل علي لم شمل الحزب ليقف وارء مساعي حكومتها للحصول علي وضع متميز داخله مع بداية العام القادم، بعد الإنكباب علي دارسة المادة 50 من إتفاقية لشبونة التى تنظم العلاقة بين أعضاء الاتحاد في حالة طلب احدها الخروج من عضويته، من جميع جوانبها بشكل وافي، علي أساس أنها المرة الأولي التي يتعرض فيها الاتحاد لمثل هذا الموقف العاصف..

كررت بعد ظهر الأثنين – علي اثر اعلان فوزها بزعامة الحزب - انها ستستعين علي تحقيق هذا الهدف بالتفاوض مع المفوضية العامة في بروكسل حول مطلبين.

أولهما.. تميكن الشركات البريطانية من الوصول إلي السوق الأوربية الموحدة وفق مبدأ حرية حركة الاشخاص والمنتجات.

وثانيهما.. التعاون مع الأجهزة الأمنية الاوربية لبط الحدود والسيطرة علي تدفق المهاجرين من اوربا إلي بريطانيا..

في اليوم التالي لأعلان فوزها برئاسة حزب المحافظين&ترأس ديفيد كاميرون جلسة مجلس الوزراء لآخر مرة، واعلن انه سيقدم استقالته لجلالة الملكة كما تقضي التقاليد.. بعدها عقدت زعيمة حزب المحافظين الجديدة جلسة تفقدية مع تشكيلة المجلس الوزاري لترتيب اجندة العمل الجماعي التنفيذي خلال الايام القليلة القادمة، وللتوافق حول شكل وزارتها الجديدة..

صباح أمس الاربعاء&شارك ديفيد كاميرون لآخر مرة ولمدة نصف ساعة في جلسة مجلس العموم البريطاني الصباحية كرئيس سابق للحكومة، حيث قدم إلي اعضاءه استقالته بشكل قانوني، واعلنهم ان حزب المحافظين اختار زعيماً جديدا له.. بعدها اصطحب زعيمة الحزب الجديدة تيريزا ماي إلي قصر باجنكهام، حيث حظيت بشرف مقابلة جلالة الملكة وحصلت منها علي علي تفويض رمزي بتشكيل الحكومة الجديدة لا&خلاف علي ان تيريزا ماي تنتظرها ايام شديد الصعوبة وملفات شديدة التعقيد.

هناك الكثير من الامور التى يجب ان تنتهي منها قبل افتتاح جلسات مجلس العموم في اواخر اكتوبر القادم.. نعم.. من المتوقع ان لا تحصل علي اجازة معتبرة كما تقضي التقاليد في هذه الفترة من العام.. نعم.

لكن الذي لا خلاف عليه انها ستعمل خلال الاسابيع القليلة القادمة علي إعادة لحمة الحزب التي تفككت قبل نهاية الشهر الماضي، وستتخير بدقة مجلس وزارئها الجديد، وستعمل علي تشكيل لجنة علي أعلي مستوي لوضع تصور لخطوت لندن القانونية والتنفيذي القادمة مع بروكسل لكي تأتي بافضل النتائج عندما تتفاوض مع المفوضية الأوربية لشئون العضوية قبل اجازات رأس السنة القادمة.

[email protected]