ينتسب دافيد هيوم، المؤرخ، والفيلسوف، وعالم الإقتصاد، المولود في أدنبرة عام 1771، إلى عائلة متوسطة الحال، كانت لها قرابة بعائلة هيوم النبيلة. وكان لا يزال صغيرا لما توفي والده الذي كان محاميا. ومُبكّرا، شرع يتطلع الى المجد والشهرة، مُلتهما أعمال مشاهير الكتاب والشعراء والفلاسفة الإغريق واللاتينيين. وقد أصرّت عائلته على أن يدرس الحقوق، إلاّ أنه حقّقَ أمنيته في دراسة الفلسفة. وبسبب دأبه على الدروس، والإفراط في القراءة، والبحث، أصيب دافيد هيوم بآنهيار عصبيّ عام 1729. وعلى هذه الحال، ظلّ سنوات طويلة. بعدها، حاول أن يكون تاجرا. غير أنه فشل فشلا ذريعا في مسعاه. وفي عام 1734، سافر الى فرنسا ليمضي فيها ثلاث سنوات، دارسا لثقافتها، ولفلاسفتها. وكان دافيد هيوم في السادسة والعشرين من عمره لمّا أصدر كتابه الفلسفيّ الأوّل الذي حمَلَ عنوان:”رسالة في الطبيعة البشريّة"، مُعْتقدا أن هذا الكتاب سيحقّق له الشهرة المبتغاة، ويجعله أحد الفلسفة المحترمين. غير أن خيبته كانت مرّة. مع ذلك لم يصبْ بالإحباط، بل واصل التأليف والبحث ليصدر في عام 1741، كتابا حمل عنوان:”محاولات أخلاقيّة وسياسيّة وأدبيّة". وقد نفذ هذا الكتاب في بضعة أسابيع، وبفضله حصل على الشهرة التي كان يتطلّع إليها. وفي عام 1746، تقدّم بطلب للحصول على كرسيّ الفلسفة في جامعة أدنبرة، إلاّ أن طلبه قوبل بالرفض إذ أن البعض آتهموه بالهرطقة، وآخرون بالشكيّة. ومُكْرَبَ النفس، ترك بلاده ليعيش بضع سنوات متنقّلا بين فيينا وتورينو. أثناء ذلك، أصدر مؤلفا جديدا حمل عنوان:”فحْصُ الفهم البشري". ولمّا عاد الى بلاده، وكان ذلك عام 1749، تقدّم بطلب آخر بهدف الإنتساب الى قسم الفلسفة في جامعة أدنبرة. غير أن اللجنة رفضت طلبه للمرة الثانية. وفي النهاية، عيّن أمينا لمكتبة الجامعة، فساعده عمله ذاك على الإنصراف آنصرافا كليّا الى التأليف. وفي عام 1752، أصدر كتابا فلسفيّا جديدا حمل عنوان:”الخطب السياسيّة". وقد حقّق له هذا الكتاب نجاحا كبيرا في الأوساط الفلسفيّة. وعندما زار باربس في عام 1763، آستقبله كلّ من دالامبير، وروسو، بحفاوة بالغة. ثم لم يلبث صاحب كتاب"الإعترافات"، و"العقد الإجتماعي" أن آتهمه بالتجسّس عليه لفائدة النظام الملكيّ الفرنسيّ. ورادّا على هذه التهمة الخطيرة، قام دافيد هيوم بنشر مراسلاته مع روسو تحت عنوان:”تقرير مختصر وصادق عن الخلاف بي السيد روسو والسيد هيوم".

وفي عام 1767، تقلّد دافيد هيوم منصبا مهمّا في لندن، إلاّ أنه سرعان ما تخلّى عنه ليعود من جديد إلى أدنبرة عازما على الشروع في كتابة سيرته الذاتيّة التي حملت عنوان:”حياة دافيد هيوم بقلمه". وفي السنوات الأخيرة من حياته، عرف الشهرة، وحظي بالتقدير والإحترام في الأوساط الفلسفيّة. وعند وفاته عام 1776، رثاه فولتير قائلا:”السيد هيوم حَفَرَ بقدر كبير من الجرأة واللبابة، أسس الفلسفة والميتافيزيقا". أمّا كانط، فقد قال عنه:”هيوم هو الذي أيقظني من سباتي". وفي شأنه، قال جورج ليون:”الأمر الملفت للإنتباه حقّا هو أن هيوم لم يدنْ بالشهرة لأعماله التاريخيّة، أو لدراساته الأخلاقيّة التي تخطّتها نفعيّة خلفائه، وإنما لفلسفته في المعرفة، على الرغم من نزعتها الشكيّة، ومن المخاوف التي تثيرها في العالم".

وفي عام 2008، أصدر الفرنسيّ فيليب راينو كتابا عن دافيد هيوم، وعن آثاره الفلسفيّة. وبمناسبة صدور كتابه، قال:”من خلال شكل المقال، حدّد هيوم، وجسّدَ بالخصوص مثالا ليست له قيمة فقط بالنسبة لمجتمع الصالونات، وإ نّما بالنسبة لكلّ المجتمع المفتوح الذي ينظر الى الفلسفة كنشاط مّنْفصل، وإنما يعتبرها مُنْغرسة في الثقافة الحيّة. إلاّ أن جوهر فلسفته غنيّ بالدروس إذ أنه من دون أن يكون آرتداديّا، هو بعيد بشكل كاف عن الأفكار المسبقة الحديثة، لكي يدعو الى التفكير في عصر متشكّك في مبادئه مثل عصرنا". ويضبف فيليب راينو قائلا:”علم هيوم هو إذن عالم آستكشاف متواصل. وهو يسمح لنا بالتأكيد بأن نحمي الحقوق من خلال إقامة مجموعات سياسيّة محدودة، ولكنه منْذور بالخصوص لتوسيع اللطافة، ونشر التعاون، وذلك من خلال آستكشاف عوامل تتجاوز المصلحة(الشرف، التقليد، الوراثة)، وحالات جديدة من الشغف تذهب إلى أبعد من الحاجيات الطبيعيّة". وختم فيليب راينو حديثه عن دافيد هيوم قائلا:”إن السمة الأساسية التي تتميّز بها فلسفة هيوم، والمعَبّر عنها بلغة صافية، هي إعطاء الشكيّة قوّة جديدة. وفي الحقيقة، يمكن القول أن هيوم قام، خلف مظهر من مظاهر الغبطة، بتحطيم أسس الميتافيزيقا الغربية بطريقة منظمة".