&الحلقة الرابعة.. إصرار العاشقين- أبطال الأهوار

(حلقات يكتبها السيد رئيس المركز الإنمائي للطاقة والمياه الدكتور ليث شبر عن خفايا غير منشورة وخطيرة عن ملف الأهوار التي انضمت الى لائحة التراث العالمي في اجتماعات اليونسكو في اسطنبول بتاريخ 17 تموز 2016)

لم نكن نتوقع أن يتخلى عن الأهوار وأهلها- وهي تحتضر - من آوتهم أيام الجهاد وحمتهم من ظلم الطاغية بعد أن تسنموا مواقع الدولة وتمكنوا من خزائن العراق المليارية فحتى المشاريع التي أنجزها هؤلاء كانت لاتمت شكلا ومضمونا بالأهوار وحضارتها وتاريخها ومع هذا فقد كلفت ملايين الدولارات وحتى أنها لم تكتمل بعد مثال ذلك نصب الشهيد في الجبايش والمجمع السكني الذي لم تنفذ فيه الا مرحلة الأساس ومشاريع أخرى كانت تكلفتها على علاتها وسوئها وعدم اكتمالها عشرات أضعاف قيمتها الحقيقية على الرغم من أن القائمين عليها كانوا من قادة المجاهدين في الأهوار وأهلها يعرفونهم جيدا ويعرفون أفعالهم..

ولكننا في الوقت نفسه فوجئنا بعشاق الأهوار وأبطالها فما إن عقدنا العزم على إقامة كرنفال إحياء الأهوار وبدأنا حملتنا( أهوارنا حياة ) واستنهضنا أهلها الشرفاء حتى جاءنا من كل صوب وحدب عشاقها ومحبوها يذودون عنها ويدافعون عن ظليمتها ومنهم من جاءنا من أقاصي البلاد وأعالي البحار دفعوا تذاكر سفرهم من جيوبهم ودفعنا ضيافتهم من جيوبنا وهو واجب علينا بعد أن تخلت الدولة كلها فلا رئاسة الجمهورية ولا رئاسة الوزراء ولا البرلمان ولا رئاسته - ومنهم من كان مجاهدا فيها- ولا وزارة الموارد ولا أي وزارة أخرى فكل هؤلاء لم يدفعوا فلسا واحدا وانما دفعتها منظمات المجتمع المدني وتبرعات التجار الذين عشقوا الأهوار ودافعوا عن قضيتها.. وعلى الرغم من أن هؤلاء الغرباء جاءوا الى بغداد وتحملوا وعثاء السفر وبذل المال والجهد الا أن من كان قريبا وملاصقا لها من المسؤولين والمحافظين والزعماء الحكوميين لم يشاركوا أبدا في مأساة الأهوار واحتضارها ولكنهم مافتئوا اليوم يسرقون النصر من أهلها حين نصرهم العالم... واهمٌ من يظن أن هؤلاء الحكوميين لهم علاقة بالنصر.. النصر صنعه أبطال خلف الكواليس سنعلن أسماؤهم ونكرمهم في وقت لاحق من هذه السنة.. ولكي نكمل الفائدة فقد أرسلنا توصياتنا لرئاسة الوزراء ولكنها بقيت في الأدراج بلا متابعة أو تفعيل.. وسأسرد لكم بعض ما بعثناه لهم نخرجه اليوم الى الاعلام ليعرف الناس الحقائق وكيف أن هذه الدولة فيها من الاهمال والظلم مالم نره في تاريخ العراق سابقا.

قلنا لهم أن أكثر من ثلاثين منظمة مجتمع مدني عراقية، وأكثر من 35 ممثلا للمجتمعات المحلية من مناطق ألأهوار، و11 شخصية أجنبية مهتمة بأهوار بلاد الرافدين، وأعدادا من الناشطين وممثلي دوائر حكومية ذات مساس بالموضوع،وإعلاميين وصحفيين وكتاب في هذا الشأن، حضروا الى المؤتمر يحملون ألم مايحدث في الأهوار ولكن وزارتكم والمسؤولة عن ملف المياه لم تحضر أبدا ولو عقد هذا المهرجان خارج العراق لرأيتم الوزراء وحاشيتهم يهرولون للمشاركة فيه لأنهم أهل إيفادات وسفر.. وليسوا أهلا لمسؤولية وواجب.. ألا ساء مايحكمون..

لقد حاولنا أن نوصل المعاناة والمأساة بكل طريقة فعرضنا عليهم فيلما أنتجناه وأخرجه بصري مبدع فكان عنوانه (مملكة الاهوار) ألهب الحماس في الجمهور لكنه لم يحرك ساكنا في قلوب ميتة لاتفهم معاناة شعبها ولاتفكر في أن توفر لهم عيشا كريما.. ولم نكتف، فأضفنا معارض للصور الفوتوغرافية والصناعات الفلكلورية والكتب والنشريات المتعلقة بالأهوار والأراضي الرطبة واللوحات الفنية.

وقلنا لهم هذه فرصة لجمع صناع القرار، وممثلي السكان المحليين، والباحثين وجهاً لوجه ومناقشة مشكلة الجفاف ومستقبل الأهوار بصراحة كبيرة وبشكل مباشر.

فالمفروض أننا ندرك أن الأهوار العراقية تمثل قيمةً حضارية واقتصادية واجتماعية وبيئية وثقافية كبيرة ليس للسكان المحليين فقط وإنما لبلدنا كله وأن الجفاف الحالي والذي ضربها منذ أكثر من خمسة أشهر قد أضرَ بها كثيرا.ولخصنا لهم مسببات هذا الجفاف بما يلي:

• عدم اعتبار الاهوار «مستخدما» شرعيا للمياه كما هو الحال مع الاستخدامات الاخرى، كالزراعة مثلا

• عدم وجود آلية تعاون مع الاتراك بمجال المياه (مذكرات تفاهم للحفظ في الادراج).

• تشغيل سد حديثة خلال 12 شهرا الماضية لاسباب استثنائية ادى الى تفريغه من خزينه.

• عدم تحديد جريان الحد الادنى في النهرين (Environmental Flow) وبالتالي عدم الزام نظام التشغيل بانتاج تلك الحصة.

• عدم تحديد الاولويات الصحيحة لاستخدام الموارد المائية (على سبيل المثال السماح بزراعة محاصيل معينة في ظروف شحة قاسية كالرز مثلاً).

• تشغيل المنشآت العراقية ذو طابع موسمي وليس ضمن استراتيجية معدة وهي (مشكلة مزمنة).

• سيطرة داعش على مقطع الفرات في سوريا وعلى سدة الفلوجة وسدة الرمادي.

وكما أننا ندرك في الوقت نفسه مسؤوليتنا جميعاً في إحياء الأهوار العراقية، لكن مع ذلك ثمة مسؤولية كبيرة تقع عليكم أنتم صناع القرار،والجهات الرسمية التي ترسم وتدير وتراقب السياسة المائية في العراق.

وأخيرا هذه توصياتنا التي أقرها الخبراء فهل ستشمروا سواعدكم لتنفيذها.. وقسمناها الى:

أولاً: توصيات رئيسية عامة

1- التفاوض الجاد مع دول الجوار ( دول المنبع) من اجل التوصل الى تحديد حصة عادلة ومنصفة من المياه الى العراق من نهري دجلة والفرات، ويمكن للمفاوض ان يشدد على الجانب البيئي والحد الأدنى للجريان البيئي وفقاً للمعايير الدولية المعمول بها. كما يمكن التفاوض معها بموجب مبادئ " المصالح المشتركة" ومراعاة هذا الجانب في الاتفاقيات التجارية والاقتصادية معها،خاصةً إذا أدركنا أن حجم التبادل التجاري يبلغ عشرات المليارات من الدولارات سنوياً.

2- التفاوض مع دول الجوار على تثبيت حصة الاهوار ضمن حصة العراق المائية خاصة بعد ادخال الاهوار الجنوبية الثلاثة ضمن مواقع رامسار ذات الاهمية الدولية وهي اتفاقية دولية تلزم الدول المنضمة فيها الحفاظ على الاراضي الرطبة وخاصة ذات الاهمية الدولية.

3- العمل الجاد على الحفاظ على نوعية مياه نهري دجله والفرات وذلك بوضع برامج جادة لمعالجة المياه الثقيلة قبل إعادتها الى الأنهر وكذلك بالنسبة لمياه البزل الزراعي ومياه صرف المستشفيات والمصانع والمعامل ومخرجات الاستخراجات النفطية.

4- العمل الجاد باتجاه تقليل الفجوه ما بين المتوفر من المياه والأستهلاك لكافة الاحتياجات وذلك من خلال تطبيق مخرجات الدراسة الاستراتيجية لموارد المياه والأراضي في العراق.

5- من اجل استدامة إنعاش الاهوار وعدم تعريضها الى الجفاف الكامل مجدداً وخاصةً في السنوات الجافة يجب التقيد بالحد الأدنى للجريان البيئي وايصال الكمية المحددة لكل هور وبشكل عادل- تخصيص حصة مائية محددة الى مناطق الاهوار خارج اطار الحصص المائية المخصصة للمحافظات وضمان وصولها بصورة تامه وحمايتها من التجاوزات.

6- تشريع قانون لحماية اهوار جنوب العراق لضمان الحفاظ عليها ورعايتها وتطبيق برامج التنمية المستدامة لها.

7- إكمال كافة المنشآت الهايدروليكية المطلوبه للسيطره على مداخل تغذية الاهوار ومخارج تصريف المياه منها للحفاظ على نوعية المياه فيها.

8- التفتيش عن مصادر المياه غير التقليدية كإعادة استخدام مياه الصرف الصحي باستخدام طريقة الاستزراع النباتي في مدن مناطق الأهوار والتي يطلق عليها " الفايتوتكنولوجي" و تحلية المياه المالحة.

9- تكثيف الجهود للحفاظ على التنوع الاحيائي والبايلوجي والثروة الحيوانية والسمكية والطيور والكائنات المائية النادرة المهددة بالانقراض والتي تعتبر مناطق الاهوار العراقية موئلها وموطنها الاصلي مع ايلاء فصيلة الجاموس اهتماما استثنائيا كونها مصدر رزق رئيسي لقطاعات واسعة من سكان الاهوار. ونقترح في هذا المجال انشاء محميات خاصة او تطوير المحميات الطبيعية التي تم اعتمادها رسميا للحفاظ على بيئة الاهوار وثرواتها الطبيعية.

10- تفعيل دور ومساهمة القطاعات المحلية في جمعيات مستخدمي المياه، وتفعيل دور هذه الجمعيات بما ينسجم وتقنين استخدام المياه.

11- الإسراع بإنشاء المجلس الوطني للمياه، ووضع استراتيجية تشغيلية لهذا القطاع الحيوي المهم، بدلاً من التشغيل الحالي وفقا للاحتياجات الآنية

12- دعم الفلاحين بمستلزمات التقنيات الحديثة لسقي المزروعات ( ولتكن مجاناً، ومن الممكن انتاجها في معمل البتروكيمياويات في البصرة و المتوقف حاليا) بدلاً من الدعم النقدي لشراء غلة الحبوب من الفلاحين.

13- تنمية الموارد المائية عن طريق توزيع الحصص المائية الاستهلاكية بصورة هادفة بين قطاعاتها المختلفة.

14- الابتعاد كليا عن اعتبار الأهوار ماهي إلا خزانات لدرء الفيضان كما جاء في الدراسة الروسية للتوزيعات المائية والمتبعة كمنهج في عقلية كثير من أصحاب القرار، واعتبارها موردا اقتصادياً كبيرا، وبيئة فريدة ذات مجتمعات وثقافات مهمة وغاية في العراقة.

15- الابتعاد عن زراعة المحاصيل التي تتطلب كميات كبيرة من المياه واعتماد المحاصيل التي لها قيمة اقتصادية عالية واحتياجات المياه لها قليلة

16- تطبيق طرق الري ذات الكفاءة العالية في الزراعة مثل ( الرش و التنقيط ) والابتعاد عن الري السيحي في الزراعة لتقليل الهدر بالمياه، وعدم ابرام اي عقد زراعي الا مع من يطبق هذه التقنيات في الري.

17- المحافظة على الحد الأدنى من التصاريف البيئية لنهري دجلة والفرات وكما هو وارد في الجدول المرفق.

ثانيا: أجراءات عاجلة وفورية

• تقديم مساعدات إغاثية للسكان المتضررين وثروتهم الحيوانية تتضمن الأغذية والمساعدات الطبية والبيطرية ومياه الشرب واللقاحات ووسائل الاحتفاظ بالثروة الحيوانية.

• إشراك المنظمات الدولية وخاصة اليونيب واليو ان دي بي والفاو والدبليو اف بي لارسال فريق تقييم عاجل (Rapid Assessment Team) ولتقديم المساعدات الانسانية والاغاثية للمنطقة.

• رصد تعويضات مجزية للمتضررين

• تأمين ايرادات مائية طارئة لتعويض النقص في ايرادات نهر الفرات وانقاذ الاهوار الوسطى.

• ادراج سكان الاهوار الذين فقدوا مصدر رزقهم نتيجة جفاف الاهوار ببرامج ورواتب الرعاية الاجتماعية كي يتمكنوا من تامين متطلبات الحياة الاساسية.

• تامين محطات تحلية مياه في مناطق متفرقة لإغراض مياه الري تستخدم لتقيل الاملاح الذائبة في حالة ارتفاع نسبة الاملاح في مغذيات الاهوار.

• انشاء حويصلات مائية في مناطق الاهوار في نهاية الافرع المائية المتفرعة من نهر الفرات باتجاه الاهوار المحاذية للقرى المتخصصة بتربية قطعان الجاموس ضمن الأهوار الوسطى وبمساحة ( 500 متر مربع ) لكل حويصلة لغرض الافادة المثلى من المياه.

• تقديم الخدمات الصحية الوقائية وعلاجية لسكان الاهوار.

• تقديم الخدمات البيطرية لمناطق الاهوار

ثالثاً: أجراءات قصيرة ومتوسطة المدى

&- تأمين استقرار القرى والتجمعات السكانية في منطقة الاهوار.

- الالتزام بجريان الحد الادنى وتخصيص حصص مائية للاهوار من دجلة والفرات.

- منع تشغيل منشآت الري لاغراض غير اروائية او لتوليد الطاقة.

- الالتزام الصارم بالحصص المائية بين المحافظات.

- رفع التجاوزات على الحصص المائية.

- ضرورة اجراء اعمال التنمية وفق ستراتيجية وطنية تتشارك بتنفيذها جميع الجهات المعنية ووضع خطط التنمية بالأخذ بنظر الاعتبار الفترة الزمنية لغاية 30 سنة ولا تقل عن 25 سنة.

- العمل بشكل جاد على رفع الالغام والعتاد غير المنفلق وتنظيف مناطق الاهوار منها لضمان تطبيق اجراءات التنمية وحماية اهالي المنطقة والتنوع الاحيائي فيها وتعزيز اقتصاد السكان المحليين

- العمل مع ايران لتعزيز هور الحويزة وشط العرب بالمياه واحترام التزامات اتفاقية رامسار واتفاقية عام 1975.

- وضع معالجة تفترض ان حوض الفرات سيعاني من جفاف طويل بسبب الفراغات الخزنية الكبيرة.

- الاستعداد لمواجهة ملء خزان أليسو التركي قريبا.

- تحرير منشآت الري من قبضة داعش.

- منع استيراد المياه الافتراضية.

ومع كل هذا التأكيدات والتحفيزات بقيت التوصيات حبرا على ورق مهملة في أدراج رئاسة الوزراء.. ولكن العاشقين انتصروا أخيرا فدبت الحياة من جديد وانتعش سكانها جميعا وهذا ماسنبين أسبابه في الحلقة المقبلة..

(في الحلقات القادمة ترقبوا.. لماذا عارضت إيران؟ولماذا قبلت؟.. كيف استقال الوزير السابق؟ وكيف رشح الوزير الحالي؟ تسابق محموم بين المسؤولين لركوب النصر.. أسرار الوفد الرئاسي في اسطنبول.. كيف فشلت تركيا في مسعاها؟..وأسرار أخرى).

الحلقة الخامسة.. انتصار الماء