&يبدو إن نظرية الحکم الالهي التي يطبقها رجال الدين المتشددون في الجمهورية الاسلامية الايرانية لم تعد تلاقي رواجا کسابق عهدها، وإن معالم الضجر و السأم و التململ صارت أکثر من واضحة على تقاسيم وجوه مختلف شرائح الشعب الايراني، وهذا ماصار ي?کده العديد من رجال الدين المتشددين و يدعون للمزيد من القمع من أجل إحکام قبضتهم على الاوضاع، لکن الذي يبدو واضحا إنه لم يبق هناك من قمع و عنف و قسوة مفرطة لم يستخدمها ه?لاء، ولذلك فإن الحديث عن المزيد من القمع لايعني إلا إعلان الاحکام العرفية ضد الشعب الايراني و غربلته دارا بعد دار!

التسجيل الصوتي للمنتظري أيام کان نائبا للخميني، لفت نظري کثيرا ماقد ذکره وهو يخاطب أعضاء اللجنة الرباعية التي أشرفت على مجزرة إبادة 30 ألف سجين سياسي في فترة زمنية قياسية، عندما يقول ساخرا بأنهم"أي رجال الدين المتشددين"، قد ملئوا العالم صخبا على الاعدامات التي کان ينفذها نظام الشاه و التي بلغت طوال حکمه قرابة 379، لکنهم أعدموا الالاف، ولذلك فإن المنتظري يوجه خطابه لشخص الخميني بطابع يظهر التهکم غالبا عليه عندما يقول:" جرائم مخابراتكم وجرائم سجونكم قد بيضت وجه الشاه والسافاك".

سقوط الشاه المدوي، کان يوحي للشعب الايراني بأن مستقبل زاهر بإنتظاره على صعيد الحياة المعيشية و التمتع بحرية و ديمقراطية غير مسبوقة، ولذلك فإن الفرح الغامر و الابتسامة کانت تطغي على وجوه معظم أبناء الشعب الايراني، لکن هذا الفرح الغامر و تلك الابتسامة الواسعة بدأت تتلاشى و تذوي بحيث صارت هذه الفرحة و الابتسامة تظهر مع الانباء التي تزف له بشرى إنتهاء أزمة إختفاء البصل و البطاطس!

في بداية عهد الجمهورية الاسلامية الايرانية، أتذکر جيدا خلال إحدى زياراتي لبغداد خاطبت أحد أصدقائي من المثقفين ذوي الاصول الشيعية، وسألته: من الذي يضمن إن رجال الدين الحاکمين في إيران لايختلفون عن رجال الدين المسيحيين أيام الاستبداد الکنسي؟ لکن صديقي هذا أجاب بجدية بالغة بأن مايجري في إيران يخضع للفقه الشيعي الذي يتميز بمرونة و إنفتاح کبيرين و ستنجح التجربة من دون شك. هذا کان في عام 1980، لکننا ونحن نکاد أن نطوي العام 2016، هل کان الامر کذلك؟ هل هناك من بإمکانه أن يعطي و عن قناعة کاملة شهادة بنجاح هذه التجربة و عدم تلوثها بإستغلال الدين لمآرب سياسية بل وحتى شخصية بحتة؟!

المرشد الاعلى الحالي للجمهورية الاسلامية الايرانية و الذي على الاغلب سيکون آخر مرشد في تأريخ هذه الجمهورية(هذا إن ساعدته صحته المشکوك في أمرها أولا و الاوضاع و الظروف السياسية ثانيا)، يثير في کثير من الاحيان ماهو أکبر من الظن و التوجس بمستقبل النظام عندما نشهد تناقضات و تضاربات في تصريحاته و مواقفه و تذبذبها، والاهم من ذلك هو إرتفاع أصوات من القاعدة تلومه حينا و توجه له إنتقادات لاذعة في أحايين أخرى، ي?کد بأن سحر"الولي الفقيه" و سلطاته المطلقة لم تعد تنطلي و تهيمن و ترعب حتى الاتباع و المقربين وکما يقول المثل"من ليس له سحر فليس له تأثير"، وهو مايعني بأن الحکم المطلق للعمامة الذي يهيمن على إيران ليس يمر بأيام عصيبة(حتى نقول بأنه سيتعافي و يعود لسابق قوته مرة أخرى)، وانما يشد الخطى نحو النهاية التي ينتظرها الشعب الايراني بفارغ الصبر، حيث إن عمامة المرشد الاعلى الايراني قد باتت ثقيلة جدا ولم يعد بوسع الشعب الايراني تحملها.