&

نبدأ بسؤال:

هل كانت موسكو تخطط للدخول إلي ملف اليمن في ضوء تعثر مباحثات السلام التى قادها المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد في الكويت لأكثر من ثلاثة شهور، والتى إنتهت إلي مزيد من التمزق والتناحر الأهلي؟؟..

أم كانت تُبطن إنتهاز أول فرصة مناسبة لتوسيع دورها، وقررت إستثمار الأجواء التي عكسها قرار الادارة الامريكية سحب بعضاً من مستشاريها العسكريين الذين كانوا يعملون من الرياض لدعم خطط التحالف المدافع عن الشرعية اليمينة، وإلحاقهم بقاعدتها البحرية في البحرين؟

شهدت الرياض علي امتداد الأيام الأخيرة من شهر أغسطس الماضي جهداً دبلوماسياً مكثفا دار في معظم بنوده حول الملف اليمني وتداعياته سلباً وايجاباً.

في الحادي والعشرين من الشهر وصل نائب وزير الخارجية ميخائيل بوجدانوف مبعوث الرئيس الروسي للشرق الأوسط، إلي جدة حيث تباحث مع المبعوث الأممي إلي اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد حول فرص تحقيق السلام و دور موسكو فيها.. بعدها استمع إلي وجهة النظر السعودية التى عبر عنها وزير الخارجية عادل جبير، وختم لقاءاته بجلسة مطولة مع ولي ولي العهد تبادل الطرفان خلالها الرأي حول العلاقات الثنائية بين البلدين وقضايا المنطقة، والملف اليمني علي وجه الخصوص.

اكد الزائر الروسي انه تباحث مع الأطراف المعنية الأوضاع العسكرية والسياسية والإنسانية في اليمن، وأنه ركز عبر كافة هذه اللقاءات علي دعم بلاده لجهود الأمم المتحدة الرامية لإحلال السلام في اليمن وأعرب عن قلق موسكو الشديد حيال تواصل القتال، ودعا للعودة إلي طاولة المفاوضات في أقرب وقت ممكن.

وأكد في نفس الوقت علي استعداد بلاده للتدخل من أجل إقناع الحوثيين وحليفهم الرئيس اليمني السابق بالعودة لطاولة المفاوضات من أجل العمل مع الأطراف المعنية " لتحقيق تسوية سلمية وعاجلة تحت رعاية الأمم المتحدة "..

في السادس والعشرون من الشهر عقد – في الرياض أيضاً - لقاء هام علي مستوي " خماسي " ضم وزيري خارجية السعودية والإمارات ووزير الخارجية الأمريكية ومساعد وزير الخارجية البريطانية وإسماعيل ولد الشيخ أحمد لخليج العربي، ناقش باستفاضة سبل إنهاء الحرب الدائرة في اليمن من خلال مجموعة من الخطوات السياسية والأمنية تسعي لتحقيق تسوية شاملة للقضية برمتها ترتكز علي.. تأليف حكومة وحدة وطنية بمشاركة كافة الاطراف

المعنية.. وإنسحاب القوات المسلحة من صنعاء وبعض الأماكن الأخري الحساسة.. ونقل كافة الاسلحة الثقيلة بما فيها الصواريخ الباليستية وقواعد إطلاقها إلي طرف ثالث..

وصفت بعض التقارير الأوربية المبادرة بانها " قديمة "!! لأن بعض موادها تسربت في شهر ابريل الماضي وسببت حساسية للرئيس الميني عبد ربه منصور هادي إلي درجة انه أقال نائبه ورئيس الحكومة السابق خالد بحاح، لأن كافة التقديرات اشارت إلي أن التفكير الأمريكي يتجه للضغط من اجل منحه – اي دحاح - مزيد من الصلاحيات لكي يتسني له الفوز بثقة الأطراف اليمنية المتنازعة ومن ثم يتمكن من تشكيل حكومة توافقية "..

وقال محللون أن قبول دول التحالف بقيادة السعودية للمبادرة يعكس رغبة منها للتنسيق م‘ أطراف أخري لأجل التوصل إلي حل سياسي بعد أن قررت كل من واشنطن ولندن خفض خدماتهما الإستخباراتية والإستشارات والأمنية وكذا الدعم العسكري اللذان كانتا تقدمانه للعمليات العسكرية التى تقوم بها قوات التحالف ضد الهجمات العدوانية التى تقوم بها القوات المعادية لطموحات الشعب اليمني..

&

هذا التطور يفرض علينا أن نأخذ في الإعتبار معضلتان ذات أهمية:

الأولي.. أن معطيات تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 وتوصيات مؤتمر الحوار الوطني اليمني وقرارات مجلس التعاون الخليجي بهذا الخصوص، لم تعد مناسبة للتطبيق علي أرض الواقع " اليوم "..

الثانية.. الحقيقة الميدانية التي تقول " ليس هناك مهزوم يمكن أن يرضخ له الطرف المنكسر، وليس هناك منتصر يملك فرض إرادته علي الآخرين "..

هذا الوضع المتشابك بالغ التعقيد دفع الحوثيون والرئيس اليمني السابق، بعد أن نجحوا في تعطيل مسيرة جولة المفاوضات التى شهدتها العاصمة الكويتية، إلي الإعلان عن تشكيل مجلس سياسي أعلي لإدارة شئون البلاد وحشدوا المظاهرات الضخمة للمطالبة بتأييده بغرض كسب زخم شعبي يمكن أن يُمثل ضغطاً علي البرلمان لكي يمنحه الثقة، وبذلك تسقط الشرعية عن الرئيس اليمني المعترف به دولياً.

ولم يكتفي علي عبد الله صالح بذلك بل حرك أنصاره في الجنوب لإثارة النعرات ضد الشرعية اليمنية بهدف تحريك الشارع العدني ضد مساعي السلام، سعياً لتعزيز الإنقسام و لمزيد من الفوضي التي من شأنها أن تعكر أجواء انضمام محافظات الجنوب لمعارك الحسم النهائية التى ترتب لها القوات الجكومية والقبائل المؤيدة لها..

ومن هنا جاء تفكير موسكو ان يكون لها دور فعال علي مستوي الملف اليمني من منطلق علاقتها الإستراتيجية بطهران من ناحية، وفي ضوء تجاربها مع واشنطن فيما يتعلق بقضية الشعب السوري من ناحية أخري..

علاقة موسكو المتشعبة بطهران بين دعم لبرنامحها النووي ومساهمتها في صيانة مفاعلات قائمة والترتيب لبناء مفاعل جديد.. وبين استخدام أمثل لقاعدة همدان العسكرية بشمالها الغربي عندما تستهدف التحليق في الأجواء السورية..

علاقة بهده المكونات تسمح لها:

1 - ان تتبادل مع طهران وجهات النظر لتفعيل رؤيتها الخاصة او المشتركة مع واشنطن، من زوية المصالح الروسية في منطقة الخليج ومضيق باب المندب وبحر العرب وما يليها من مياه دولية..

2 – وأن تعدل او تقلل – إن شئت – من غلواء ما تدعيه إيران من مصالح في اليمن خاصة وأن الوضع مع جبهة الحوثيين وعلي عبد الله صالح تَفتقد للكثير من التحالفات التى عقدتها طهران مع دمشق..

من هنا جاء التحرك الروسي من داخل الرياض اولاً!! لأن موسكو تعي تماما مكانة ووزن المملكة العربية السعودية في المنطقة وعلي مستوي الملف اليمني وفي سوق النفط العالمية.. ومن المؤكد أنه جاء بعد قراءة متأنية للعلاقات شبه المتوترة بينها وبين واشنطن..

هذه القراءة تقول..

صانع القرار الروسي علي معرفة بالتحديات التي تقف حجر عثرة في طريق المبادرة الامريكية.. موقف الرئيس اليمني عبد ربه منصور الذي يرفض أن تتساوي الشرعية مع الخارجين عليها.. تأييد العديد من الأطراف اليمنية الداخلية للمجلس السياسي الأعلي من منطلق انه ربما يفتح الباب لحلول سلمية.. صعوبة اقناع الحوثيين ومؤيدوهم بتسليم ما نهبوه من اسلحة الدولة الثقيلة وما حصلوا عليه من صواريخ " لأنها كلها تمثل بالنسبة لهم حائظ الإستقواء الذي يحمي جبهتهم "..

هذه القراءة جعلته، أي الطرف الروسي.

مؤهلاً لمناقشة التفاصيل مع القيادة السعودية، التى ربما تكون قد تبادلت الرأي بشأنها مع الجانبين الأمريكي والبريطاني.. وقادر علي تحديد دوره فيما يتعلق بالمبادة الأمريكية..

أولاً.. الوقف الكامل لأطلاق النار من جانب جميع الأطراف..

ثانياً.. توفير مساحة من الثقة بين طرفي النزاع تقود لإستكمال جولات التفاوض بينهما..

ثالثا.. رفع الحصار الشامل المفروض علي اليمن بالتوافق مع ما تحققه الأطراف من تقدم في مسيرة التفاوض.

واشنطن تبدو مستعدة لمنح موسكو هذا الدور في مقابل ان تتنازل عن بعض ما تتمسك به علي الساحة السورية من دعم للرئيس السوري والحد من ضرباتها الموجعة ضد معارضيه.

علي الجانب الآخر تعي موسكو حجم تراجع نتائج معاركها القتالية وإنفراط عقد التنظيمات التى كانت تقاتل وفق خططها العسكرية بحيث اصبحت كل منها تعمل علي تثبيت اقدامها فوق الأرض التى استولت عليها من بين انياب داعش، وكيف إستغلته واشنطن لتعزيز ضرباتها العسكرية ضد مواقع تنظيم داعش باطلاق صواريخ " هيمارس " ذات الدقة المتناهية من داخل الأراضي التركية!! وغضت النظر في نفس الوقت عن توغل الدبابات التركية في اقصي شمال سوريا لتقديم الدعم لفصائيل الجيش السوري الحر لمواصلة معاركة ضد داعش من ناحية وضد الأكراد من ناحية أخري.

فهل ينجح الطرفان في اليمن، أم يكرران تجربتهما الفاشلة في سورية؟

&

[email protected]