&

الخطوات الأولى:

كان لاكتشاف كوكب خارج نظامنا الشمسي بشكل فعلي وحاسم ومثبت مائة بالمائة من الناحية العلمية، في السادس من شهر أكتوبر سنة 1995، اثر القنبلة التي هزت أركان الوسط العلمي آنذاك. فللمرة الأولى يقدم العلم الدليل القاطع على وجود كواكب أخرى، قد تكون مأهولة، تشبه كواكب مجموعتنا الشمسية، أي تأكيد، وليس احتمال، وجود أرض أخرى غير أرضنا، أي إمكانية وجود عوالم مسكونة أخرى غير عالمنا في الكون المرئي. ومن ثم توالت الاكتشافات بإيقاع مذهل بعد التمكن من التقنية اللازمة لذلك، حيث أثبتت الحسابات الفلكية وجود مليارات الكواكب في مجرتنا درب التبانة وحدها فما بالك في باقي مجرات الكون المرئي. وفي سنة 2005 تم اكتشاف كوكب الأرض الهائل المسمى جليس Gliese 876 d وهو أكبر من أرضنا بسبعة مرات ويقع في المنطقة القابلة للحياة. وفي عام 2014 تم العثور على كوكب بحجم كوكبنا الأرض وقابل للحياة أيضاً هو كبلر Kepler 186 f يدور حول نجم من نوع القزم الأحمر naine rouge في كوكبة البجعة أو الدجاجة Constellation Cygne التي تبعد عنا مسافة 500 سنة ضوئية.

كانت مجرد نقطة مضيئة في الفضاء لكنها بمثابة الفنار المضيء في ليل الإنسانية. ففي السادس من شهر أكتوبر سنة 1995 بدأت انعطافة هائلة في التفكير العلمي في مجال علم الفلك والفيزياء الفلكية والبيولوجيا الكونية عندما أعلن علماء الفيزياء الفلكية astrophysiciens ميشيل مايور Michel Mayor و ديديه كلوز Didier Queloz، الباحثين في جامعة جنيف، رصدهما المؤكد لأول كوكب يدور في فلك حول شمس أخرى غير شمسنا وكان كوكب بيجاسي b51 Pegasi الموجود في كوكبة بيجاسي التي تبعد 51 سنة ضوئية عنا. انتشر الخبر كالهشيم في النار في جميع أنحاء العالم وحظي بتغطية إعلامية ضخمة. المشكلة أن كوكب بيجاس 51 هو بحجم كوكب المشتري ومن نوعه أي ساخن جداً، وهو كوكب غازي هائل يختلف تماماً عن كوكبنا الصخري الصغير، ولكن هذا الاكتشاف قدم الدليل العلمي على وجود كواكب أخرى exoplanètes تدور حول نجومها على غرار مجموعتنا الشمسية، أي أن نظامنا الشمسي ليس فريداً من نوعه ووحيد في الكون المرئي. ما يعني في آخر المطاف إمكانية وجود حضارات فضائية كونية أخرى ولن نكون محكومين بالعزلة الكونية، وأننا ربما نكون الأحياء الأذكياء العاقلين الوحيدين في هذا الكون المرئي المذهل. وخلال الأربع وعشرين ساعة التي أعقبت إذاعة النبأ أصبح وجود عوالم أخرى بحكم الحقيقة الواقعة التي لا تحتاج لبرهان، في أذهان غالبية سكان الأرض. لذلك وفي تلك اللحظة، خرجت الفكرة من حيز الخيال العلمي إلى العلم المحض، وهو تاريخ مهم في مسيرة البشرية العلمية خاصة فيما يتعلق بوجود كائنات فضائية كونية غيرنا تعيش خارج الأرض.

وبعد مرور عشرين عام على ذلك الاكتشاف بتنا قاب قوسين أو أدنى من اكتشاف عالم مسكون ومأهول بحيوات ذكية وعاقلة مفكرة مثلنا وربما تتفوق علينا بعلمها وتكنلوجيتها ولم تعد القضية سوى مسألة وقت ليس إلا. وغدت عملية اكتشاف الكواكب الأخرى أشبه بالتمارين الرياضية الروتينية لكنها رياضة فلكية. ففي العاشر من آيار مايو 2015 أعلنت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا اكتشاف 1284 كوكباً بفضل التلسكوب المرقاب الفضائي كبلر وعلى نحو مؤكد وقاطع غير قابل للخطأ في التفسير وليس مجرد تشخيص تقريبي أو نتاج صنعي كما كان الحال في الماضي. وستستمر العملية وتتراكم الاكتشافات بانتظار اليوم الموعود عندما تعلن المؤسسات الفضائية المتخصصة الحقيقة التي ينتظرها البشر أجمعين وهي وجود حضارة كونية فضائية أخرى متطورة تتصل بنا باتصال من النوع الثالث وعلى نحو رسمي ومعلن. ويتعين علينا أن نضيف إلى عدد الكواكب المكتشفة من قبل التلسكوب كبلر تلك التي اكتشفها التلسكوب كوروت Corot منذ العام 2009 ويبلغ الرقم حالياً 3422 كوكباً ومن المتوقع أن يرتفع إلى 5000 كوكب في الأشهر القادمة. وعندما نقول كوكب، خاصة إذا كان بمزايا ومواصفات وحجم وظروف وخصائص كوكبنا الأرض وفي المنطقة القابلة للحياة، فإن ذلك يعني حتمية وجود حياة أخرى في مجرتنا درب التبانة بل وفي الكون المرئي برمته. فالهدف والغاية القصوى من مثل هذه الاكتشافات هو العثور على الكائنات الكونية الفضائية les extraterrestres، ولقد تم التأكد بوجود 550 كوكب صخري أرضي على غرار كوكبنا وهي التي من المحتمل أن تحتوي على الحياة كما هو الحال على كوكب الأرض وهذا لا يعني استبعاد وجود حياة على بقية الكواكب غير الصخرية أو على أقمارها. وهناك تسعة كواكب ثبت أنها تشبه كوبنا تماماً من حيث الحجم ودرجة الحرارة على سطحها والجاذبية والضغط والغلاف الجوي والمسافة بينها وبين شموسها ووجود المياه السائلة على سطوحها، وهي كلها شروط أساسية لظهور الحياة التي نعرفها، وهناك اليوم 21 كوكب تجتمع فيها هذه الشروط والظروف اللازمة.

قد يبدو هذا الرقم صغيراً للغاية ومثيرا للسخرية، لكنه في واقع الأمر هائل لأنه نتيجة لمشاهد ورصد ومراقبة جزء صغير جداً من مجرتنا درب التبانة يضم حوالي 150000 نجمة من مجموع 300 مليار نجمة في المجرة التي نعيش فيها. مما يزيد من نسبة الأمل في العثور على الحياة في إحداها أو في العديد منها، حسب تقدير العالم دانيل روان Daniel Rouan مدير الأبحاث في مختبر الدراسات الفضائية والأجهزة الرصدية للفيزياء الفلكية وأحد المكتشفين للعديد من الكواكب النجمية خارج المنظومة الشمسية الأرضية. فإكتشاف العديد من الكواكب القابلة للحياة على غرار كوكب الأرض يتيح أن نحسب بدقة عدد الكواكب المحيطة بكل نجم من نجوم مجرتنا في المستقبل القريب. ويجري التركيز على الكواكب التي تشبه الأرض في الحجم والخصائص والمزايا، وخاصة الحجم، إذ ينبغي أن تكون بحجم الأرض أو اصغر منها بمرة أو بمرتين أو أكبر منها بمرة أو بمرتين لا أكثر، وتوجد لدينا الإمكانيات التقنية والتكنولوجية المطلوبة لرصد مؤشرات الحياة في تلك الكواكب في كل مستوياتها، وأول الخطوات هي تشخيص وجود الماء السائل والأوكسجين وثاني أوكسيد الكاربون والغلاف الجوي الحامي من الإشعاعات النجمية المميتة. يعتقد العلماء بوجود، على الأقل كوكب واحد كحد أدنى حول كل نجم من نجوم المجرة. بمعنى آخر يوجد حوالي 300 مليار كوكب كحد أدنى في مجرة درب التبانة لوحدها والمطلوب معرفة نسبة تواجد بعضها في المنطقة الوسطية القابلة للحياة وهي تتراوح بين 10% و 50% لتقدير عدد الكواكب التي يحتمل وجود الحياة فوقها في أسوء تقدير. وفي أسوء الأحوال المتشائمة، فيما لو اكتفينا بمنطقة صغيرة من مجرتنا في أحد ضواحيها أو أذرعها كالذي تتواجد فيها شمسنا، ولتفادي المبالغة، وقلنا أن كل نجم يحتوي على كوكب واحد وإن عشرة بالمائة فقط من تلك الكواكب تقع في المنطقة القابلة للحياة وتشبه الأرض بميزاتها كونها صخرية وذات درجة حرارة معتدلة وفيها ماء سائل وأوكسجين وثاني أوكسيد الكاربون وغلاف جوي حامي الخ.. واقتصرنا عل عدد محدود من النجوم يقدر بأربعمائة 400 نجمة تبعد عنا بمسافة تقل عن 30 سنة ضوئية فسوف نحصل على الأقل على 40 كوكب نجمي خارج الأرض وخارج نظامنا الشمسي ممن يمكن أن تحتوي على الحياة فوقها وهو الحد الأدنى.

أين ومتى يكون الكوكب مأهولاً؟:

لو اقتصرنا على ذراع أوريون bras d’orion وهو أحد اصغر الأذرع الفرعية الحلزونية في مجرتنا درب التبانة، والذي يضم 600 مليون كوكب نجمي قابل للحياة ولو طبقنا الحساب السابق أعلاه نسبة لــ 300 مليار نجمة، فسوف نحصل على عدد 30 مليار كوكب قابل للحياة. ولو توسعنا وشملنا بحساباتنا حشد أو عنقود المجرات المسمى العذراء الذي تتواجد فيه مجرتنا، ومن ثم الكون المرئي برمته، فسوف يصل عدد الكواكب القابلة للحياة إلى مليارات المليارات.

ليس بالضرورة أن كل كوكب قابل للحياة توجد عليه حياة بمستوىً ما. فهناك شروط إضافية يجب أن تتوفر لتؤدي إلى ظهور الحياة مثل معدل الحظ أو الفرص المتاحة، وتوفر قمر أو أكثر، وتصادم مذنب فضائي بالكوكب، ومع ذلك فإن إحتمال ظهور الحياة على الكواكب الأخرى كبير جداً. ولكن طالماً لم ننجح بعد في إنتاج الحياة في المختبر بطريقة المحاكاة للظروف التي أدت إلى ظهور الحياة فوق كوكبنا الأرض، فعلينا أن نكون حذرين في فرضياتنا، كما يقول فرانك سلسيس Franck Selsis، مدير الأبحاث في مختبر الفيزياء الفلكية في مدينة بوردو الفرنسية.:" من المؤكد أن التميز مفهوم يصعب تصوره أو استيعابه على مستوى الكون المرئي فنحن لم نجده بعد لكننا نفترض وجوده في مكان ما. " ولقد كان العلماء مترددون بل ومعارضون لمشاريع البحث عن حياة خارج الكرة الأرضية لكنهم باتوا اليوم أكثر فأكثر اقتناعاً بضرورة القيام بذلك وإن البشرية في طريقها لتحقيق هذا الإنجاز إن عاجلاً أم آجلاً.

ومما يشجع على ذلك هو التطور العلمي والتكنولوجي وتطور الأجهزة في هذا الميدان، والتي تعد باكتشافات مذهلة في القريب العاجل. فمعلوماتنا دقيقة جداً اليوم ومشاهداتنا تقول لنا بأن مجرتنا مزدحمة بعدد لا يصدق من الكواكب المتنوعة القابلة للرصد والدراسة فهناك كواكب عملاقة غازية أكبر من المشتري تدور بالقرب من نجومها وبدلاً من عطارد هناك شموس حمراء صغيرة تعرقل أو تسد الطريق أمام دوران الكواكب، تجبرها على عرض جانب واحد فقط منها باستمرار هو نفس الجانب، ومنها ما يدور بالاتجاه المعاكس، وبعضها يدور حول إثنين أو ثلاث نجوم، لذلك لا يمكن اعتبار نظامنا الشمسي نموذج مثالي أو يضرب به المثل وممثلاً لباقي الأنظمة النجمية أو الشمسية الأخرى، فهو مجرد مثال من بين أمثلة عديدة ومتنوعة ضمن مئات العوالم المكتشفة ومليارات العوالم الكامنة. بل وحتى الأرض لا تقدم المثال الأنصع والأفضل لاستقبال الحياة. فالكوكب المثالي بمثابة الجنة الفضائية، ينبغي أن يكون أكبر بمرتين على الأقل من الأرض.

يجهد العلماء الآن في معرفة كافة التفاصيل لجميع أنواع الكواكب ومستوياتها والقيام بعملية غربلة وترتيب وتنظيم لكافة النطاقات وبطريقة المحاكاة المجسمة بثلاثة أبعاد بواسطة كومبيوترات متطورة جداً بعد معرفة أحجامها وسرعاتها وسرعة دورانها ولفها الذاتي على نفسها وحول نجومها الخ.. ولكن من الصعب القيام بمحاكاة عن سيرورة تكون تلك الكواكب في الوقت الحاضر لذلك يتحدد العلماء بنموذج الأرض ويجرون عليه تعديلات في برنامج المحاكاة بزيادة كمية المياه، وحجم الكوكب، وتغيرات في درجات الحرارة، والحقل المغناطيسي، والقطبية، وزيادة الكتلة أو إنقاصها، وتغيير نوع الشمس التي يدور حولها الكوكب، حسب النوع والمسافة بين النجم والكوكب، وتغيير تركيبته وغلافه الجوي والكثافة والجاذبية ونوع القمر الذي يدور حولها الخ وذلك لمعرفة ما سيطرأ على الكوكب من تغيرات وظواهر طبيعية كالاحتباس الحراري أو نوع وحجم الغلاف الجوي، بعد كل هذه المعطيات، ستعطي نتائج المحاكاة الأجوبة عن الكواكب المأهولة أو التي ظهرت فيها الحياة. ولقد أظهرت النتائج الأولية أن كوكباً يحتوي على 1% من مياه الأرض يمكن أن يكون مؤهلاً لاحتضان الحياة.

فهناك الكثير من تجارب المحاكاة الحاسوبية التي تجرى بناءاً على معطيات كشفية فلكية دقيقة تعطينا العديد من النماذج حسب العالم الفرنسي جيريمي لوكونت Jérémy Leconte. فالحسابات تتركز على الكواكب الصخرية التي تدور حول شمسين والتي يمكن أن تكون مستقرة بما فيه الكفاية لكي تتزود بمناخ معتدل. وهناك كواكب تدور حول شمس واحدة مثل كوكبنا، وهناك محاولات للتمعن في نجوم أصغر وأكثر إحمراراً من شمسنا، أو أكبر بكثير من شمسنا وذات مناخ وغلاف جوي غريب. يمكننا تخيل العديد من الخيارات كما تقول إملين بولمونت Emeline Bolmont التي تقوم بنمذجة modélise الكواكب حول النجوم القزمة في جامعة نامور. فالأرض ليست في مركز النظام الشمسي ولا في مركز الكون المرئي وهي ليست مثال وحيد أو مثال يحتذى في مجال تنوع العوالم بل هي ليست حتى الأكثر قابلية لاستقبال الحياة، ولم يبق سوى أن نثبت أن الحياة الأرضية ليست المثال أو النموذج الوحيد بل هي واحدة من بين عدد من أنواع الحياة.

يتبع

[email protected]