&

قد نكون نحن أكثر جيل يعاني من الاكتئاب، وذلك لأن الحماسة رفعتنا صغارا إلى السماء، ثم هوت بنا خيبة الأمل إلى جوف الأرض، رحل مهدي سردانة وصلاح الدين الحسيني سعيد المزين ومحمد حسيب القاضي وغيرهم الكثيرون من مؤلفي وملحني أناشيد الثورة الفلسطينية الذين لفهم النسيان كما لفنا. نحن اليوم في خريف العمر، وتسقط دمعة كلما سمعنا بالصدفة "أنا صامد صامد أو شد زناد المرتين أو يا جماهير الأرض المحتلة أو اعطيني جعبة وبارودة..." وغيرها الكثير الكثير مما جبلنا على كره الظلم والظالمين وجعلنا نكره النذالة ونحب التضحية، وجلعنا نرفع قاماتنا إلى السماء، لنصحو على الحقيقة المرة وهي..... لا بأس بالنذالة في ضوء بعض الظروف.&

إن سخرية الموقف لم تخطر على بال أحد، فقد علمونا أن نكون صادقين وأوفياء وأن نلتزم بالحق مهما كان الثمن، وأن نضحي بصرف النظر عن أنانية الآخرين، فماذا كانت النتيجة؟ جاء "الواقعيون" وأبعدونا عن الطريق وتلاهم "العقلانيون" وعلمونا الصمت، وبقينا نحن حيارى بالقيم التي نحملها، هل ندسها تحت التراب، أم نعلمها لأبنائنا، ثم نتركهم يعانون ما عانينا؟ لا بد أن نعلمهم لأنه لا يصح إلا الصحيح، وهذه الدول التي تقتلنا يوميا، تؤمن بأوطانها ولا تفرط بها مهما كان الثمن، وربما تصبح هذه الأجيال أكثر ذكاءا وقوة وأخلاقا.&

لقد نزلت تلك الأناشيد من صفة "رفع الروح المعنوية وشحذ الهمم لتحرير الأرض" إلى مجرد "أدب المقاومة" ورغم هذا وذاك، كانت تلك الأناشيد وقود الثورة وصنعت الفدائيين الذين ضحوا بأرواحهم وماتوا من أجل فلسطين، ولكنها اليوم إرث عظيم وكنز ثمين ينبغي أن نحافظ عليه، ليس لأنه من الروائع الأدبية، بل لأنه صنع تاريخا حري بنا أن نحفظه، لقد بحثت طويلا عن أناشيد الثورة ولم أجده في الإنترنت، بل وجدت أناشيد مبعثرة هنا وهناك، وهذا لا يليق بشعر عامي اللهجة، يفهمه الصغير قبل الكبير، فالكبير آنذاك صار فدائيا والصغير انضم إلى مجموعة "أشبال الثورة" بفضل تلك الأناشيد، وهذا كنز فلسطيني عظيم، يجدر بنا أن نجمعه ونوثقه ونخلد ذكرى صانعيه.&

قد يقول البعض أن هذا الأمر ولى زمانه، وهمنا اليوم أكبر من فلسطين، وها هي الدول العربية الكبرى تنزف منذ سنين، فمن الذي سيلتفت إلى فلسطين، وهذا صحيح، ولكن هناك شبابا يحتاجون إلى رفع الروح المعنوية وتذكيرهم بواجباتهم فربما يأتي يوم يسترد العرب عافيتهم، ويصبحون "عقلانيين" فعلا ليس بتجنب الحرب مع إسرائيل، بل بتجنب الحروب فيما بينهم.&