للمرة الأولى يرفع جنرال مخضرم صوته ليوقظ الشعب الأمريكي ويحثهم على الإدلاء برأيهم في السياسة الخارجية التي تنتهجها حكومتهم، ويقول برومانسية مؤثرة " ليس المهم فقط ألا يقتل الجنود الأمريكيون، بل أيضا ألا تقتل شعوب أخرى". وهذا أمر رائع لأنه صدر عن عسكري أمريكي.&

صدر كتاب " حروب أمريكا من أجل الشرق الأوسط الأعظم" في العام الحالي 2016 لكاتبه أندرو بيسفيتش عن دار راندوم هاوس في نيويورك، انتقد فيه الكاتب بشدة النزعة والشغف الأمريكي بالحروب، وعدد الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من أجل تنفيذ فكرة الشرق الأوسط الأعظم التي ولدت في عهد الرئيس جيمي كارتر والتي ادعى فيها أنه سيحرر الولايات المتحدة من الاعتماد على النفط ومحاباة الدول النفطية. وقال أنها لم تسترح يوما واحدا من تلك الحروب فلقد ذهبت إلى الصومال وأفغانستان واليمن والعراق مرتين وليبيا وسوريا لأن كارتر تحول من قائد سياسي إلى كاهن مستأسد وخلفه رؤساء على نفس المسار وتحولت النزعة السياسية الخارجية إلى خطط ماكرة وشريرة. ورأى بيسفيتش أن فكرة كارتر خلقت الإرهاب الإسلامي الذي انتشر في بقاع الأرض. ويؤكد بيسفيتش أن جميع الأسباب التي قدمت بهدف خلق الشرق الأوسط الأعظم هي أكاذيب، لأن تلك الحروب لم تنشر الديمقراطية ولم تعزل الحكام الديكتاتوريين، ولم ترفع المعنويات الأمريكية، ولم تترك خلفها مجتمعات مستقرة، بل تركت دمارا وبيلا على الشعوب التي زادت نقمتها وانتشر إرهابيوها في جميع بقاع الأرض. ووصف بيسفتش النزعة الحربية بأنها مجرد صبيانية شريرة خبيثة. وانتقد صناع القرار الأمريكيين الذين غيروا مفهوم الديبلوماسية كما أنهم اغتروا بقوتهم العسكرية وظنوا خطأ أنهم انتصروا بينما الأعداء انسحبوا تكتيكيا ليعودوا على شكل عصابات وليس هناك مثال أصدق من تفجيرات الحادي من سبتمبر. واستطرد قائلا أن المغامرات العسكرية في الشرق الأوسط فككت المنطقة بدلا من التعايش والانفتاح الثقافي، أي أنها خلقت نتيجة معاكسة تماما لما للهدف المعلن للولايات المتحدة. ودعا بيسفتش الشعب الأمريكي إلى استعادة الروح الأمريكية التي تؤمن بالحرية والديمقراطية وجعل حكوماتها المتعاقبة تنتهج النهج الدبلوماسي بدلا من الحرب.&

لا بد أن بيسفيتش يدرك خفايا الأمور، ومن المستهجن أنه يصدق أن هدف الحملات العسكرية التي تشنها أمريكا بشكل مستمر هو نشر الديمقراطية، وعلى الرغم من أنه أقر بأن الولايات المتحدة لن تسمح لأحد أن يسيطر على الخليج العربي "الفارسي كما وردت في كتاب بيسفيتش" ولكن مشروع الشرق الأوسط الكبير ليس له علاقة بنشر الديمقراطية، ولو كان الأمر كذلك، لما استثنيت أية دولة عربية، ولكن الداني والقاصي يدرك أن التدخلات العسكرية الأمريكية لم ولن تتوقف أية منطقة في العالم، وقد أثبتت الأحداث المتتابعة أن الولايات المتحدة لها أهداف هامة لتحطيم هذه المنطقة، وهي المبيعات العسكرية الهائلة وتفتيت المنطقة وإشعال حروب طائفية وإضعاف جميع الدول لضمان أمن إسرائيل. وما يصفه بيسفيتش خطأ في السياسة الخارجية الأمريكية، هو تخطيط وليس خطأً. ومعروف أن الحروب ليست صلاحية فردية للرئيس، بل هي قرارا الكونغرس الأمريكي، ويعرف الجميع أن أعضاء الكونغرس لا يفكرون بعاطفتهم أبدا، بل يفكرون بصناعاتهم الحربية والنفط وضمان أمن إسرائيل واقتصاد السوق الحرة، ولا يمكن للقارئ أن يصدق أن التدخلات العسكرية المتكررة هي أخطاء في السياسة الخارجية.&

&