الوضع المأساوي في قطاع غزة كسب تعطافًا عربيًا وعالميًا على مستوى الشعوب والحركات السياسية، وشهدت أوروبا وأميركا مظاهرات حاشدة تطالب بوقف العدوان الإسرائيلي الغاشم على الفلسطينيين الأبرياء، بخلاف الدمار المروع الذي لم تشهده غزة من قبل، والذي أدى إلى هلاك البنية التحتية بالكامل.

الحرب الإسرائيلية على غزة تجاوزت شهرها الخامس، وخلفت أكثر من 100 ألف شهيد وجريح، منذ أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر)، أمام عجز المجتمع الدولي، على التصدي لجرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي رفض وقف إطلاق النار، إلا بعد عودة الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة حماس.

الصمت والعجز الدولي، أمام جرائم الاحتلال، دفع الأحزاب والحركات الإسلامية في أوروبا، إلى التفكير في مساندة القضية الفلسطينية، بوجود أصوات داخل البرلمان الأوروبي، من خلال خوض الانتخابات، المزمع عقدها في شهر حزيران (يونيو) القادم، في خطوة سياسية لإثبات الموقف والوجود والدعم والمساندة، بأن القضية الفلسطينية ستظل محور اهتمام العالم الإسلامي، إلى أن يتم التوصل لحل شامل وعادل لها.

خوض انتخابات البرلمان الأوروبي، من جانب الحركات الإسلامية، موقف إيجابي ربما يكون دافعاً نحو التوصل لإعادة الحق لأصحابه، والدعوة إلى اتخاذ إجراءات أكثر قوة تجاه دول الاحتلال الإسرائيلي، من قبل الاتحاد الأوروبي.

الحركة بدأت في فرنسا، مع اتحاد الديمقراطيين المسلمين في فرنسا، وهي مجموعة صغيرة تصنف نفسها على أنها تنتمي إلى يسار الوسط ومعادية للإمبريالية. ومن المقرر أن يمتد إلى ألمانيا وهولندا والسويد وإسبانيا وربما بلجيكا واليونان. وقدم الائتلاف، الذي لم يتم تحديد اسمه بعد، برنامجه في بروكسل، ويدعو التحالف أوروبا إلى أن تكون متسقة مع وعودها بالسلام في القارة وفي العالم، ويتعين على الاتحاد الأوروبي أن يطبق عقوبات على إسرائيل للتوصل إلى حل تفاوضي للصراع.

الاتحاد الأوروبي هو أحد الأدوات الرئيسية لحل هذا الصراع، ويدعي التحالف أنه يدعم فكرة حل الدولتين، والتي تظل الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي، ولتحقيق ذلك، يدعو أعضاؤه إلى الحوار بين مختلف الأطراف المعنية، بما في ذلك حماس. لذلك لا بد أن يجتمع كافة الأطراف حول طاولة للتوصل إلى حل.

صنفت بعض الدول ما حدث في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، بأنه تصرف نابع من 75 عامًا من القمع، لذلك يجب أن تكون هناك عدالة، فمن يزرع الرعب يحصد الرعب، وحكومة الاحتلال الإسرائيلية هي المسؤولة بالدرجة الأولى عما حدث، والمشكلة في بعض الدول الأوروبية ليست مع اليهود، بل مع الحكومة الإسرائيلية.

ولاقت الحملة الانتخابية لحزب «اتحاد الديمقراطيين المسلمين الفرنسيين» في فرنسا رواجًا كبيرًا لا سيما في الأحياء الشعبية وضواحي المدن الكبرى، لكن لم يتمكن أي من مرشحيه من التأهل إلى الجولة الثانية للانتخابات التشريعية... وسبق لحزب «اتحاد الديمقراطيين المسلمين الفرنسيين»، أن شارك في مواعيد انتخابية عديدة، على غرار الانتخابات المحلية التي جرت في 2014 والانتخابات الأوروبية في 2019.

فكرة تأسيس حزب سياسي يمثل الفرنسيين المسلمين وانشغالاتهم تعود إلى تسعينيات القرن الماضي، عندما لوحظ أن المواطن الفرنسي المسلم تحول إلى وسيلة تستغل لأهداف انتخابية كبيرة ومتكررة في الحياة السياسية الفرنسية، وشارك اتحاد الديمقراطيين المسلمين الفرنسيين في الانتخابات التشريعية التي جرت في 2017، واستطاع أن يترشح عشرة من أعضائه لكن دون أن يفوز أي واحد منهم ولو بمقعد واحد في البرلمان، ويرى الحزب أن المهم هو المشاركة ونشر مبادئ وأفكار الحزب بشكل أوسع في المجتمع الفرنسي، والدفاع عن العدالة والديمقراطية.

«فلسطين حرة»، هذا هو الشعار الذي رفعته الحركات الإسلامية في الدول الأوروبية، واتخذته مسارًا و«تميمة» في انتخابات البرلمان الأوروبي المُقبلة، والسؤال الذي يطرح نفسه، هل شعار «فلسطين حرة» سيكون له تأثير إيجابي، وحصد مقاعد لاتحاد المصريين المسلمين بأوروبا في انتخابات البرلمان الأوروبي؟

ومن المؤكد أن يرتكز البرنامج الانتخابي لأعضاء اتحاد المسلمين في أوروبا، على الجرائم التي ترتكبها دول الاحتلال الإسرائيلي، بحق شعب فلسطين، وإبراز المشاهد المأساوية وجرائم الإبادة الجماعية، التي تقشعر لها الأبدان، ولكن هل التعاطف لوحده يكفي؟ واعتقد أن ثمة شيئ قد يدبر، لإفساد أي محاولة للحركة الإسلامية للدخول في عضوية البرلمان الأوروبي.

وإذا حدثت المعجزة، وفاز اتحاد المسلمين، في انتخابات البرلمان الأوروبي، وحصل على مقاعد، من الممكن أن يتغير الموقف الأوروبي تجاه القضية الفلسطينية، من خلال التعاطف والتأييد الواسع لموقف فلسطين، وإدانة ما يرتكبه جيش الاحتلال الإسرائيلي، واتخاذ موقف حاسم قد يؤدي إلى تغيير الموقف العالمي، والتكاتف لوضع حل نهائي للقضية الفلسطينية، ووقف حمام الدم.

ولكن.. من أبرز الأسباب التي قد تقف عائقًا أمام اتحاد المسلمين في أوروبا، خلال الانتخابات هو ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، فهناك معتقدات لدى شريحة كبيرة من الأوروبيين، أن من ينتمون إلى الإسلام السياسي متطرفون، ويمكن أن يؤدي تواجدهم وظهورهم ومنحهم الفرصة، إلى مخاطر قد تهدد أوروبا، على كافة الأصعدة.

إن ما يحدث في غزة، هو جريمة حرب مكتملة الأركان، ساعد عليها الموقف الدول المخزي، العاجز على ردع إسرائيل، التي تتمتع بحصانة من الولايات المتحدة، راية الإرهاب والخراب في العالم، فلا يعقل أن تستمر جرائم الإبادة، بهذا الشكل الوحشي، حتى في رمضان، وهو الأمر الذي يؤجج مشاعر المسلمين في جميع أنحاء العالم، ويندر بمخاطر وعواقب، لا يستطيع أحد أن يتوقعها، إذا لم يقف العدوان الغاشم على غزة، وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، ينهي المأساة التي يدفع ثمنها الأبرياء.