يعم الاستغراب بعض شعوب الشرق الاوسط عن مدى إدراك الشعب العراقي لخلفيات من يتحدثون باسمهم ويصدرون القرارات نيابة عنهم، وساد مع الاستغراب تساؤلات كثيرة أهمها هل يدرك العراقيون من يقف وراء انهيار وطنهم ونهب ثرواتها وملئها بالمخدرات والسلاح والميليشيات؟ هل يدركون أن عاصمتهم هي بغداد لكن القرارات من طهران؟

ربما لتوضيح الأمور أكثر للشعب العراقي، لا يحتاج الأمر إلى التعمق في تجربة إقليم كوردستان وشرحها، فالعراقيين سكنوا في مختلف مدنها وهم على الدوام متنقلين بين محافظاتها ويعيشون تفاصيل أمانها وازدهارها ومحبة شعبها، ويدركون جيداً أن إقليم كوردستان بقيادة كردية ضحوا بالكثير في سبيل كرامتهم وأرضهم ومبادئهم لينعموا بالسلام والحرية، لم تُسلم القيادة البارزانية مصير شعبها لأية دولة في العالم، مارست حقها الشرعي في أن تكون هي وشعبها جسداً واحداً متكاملاً لبناء الحضارة والديمقراطية، وضعت الكورد في صفحات التاريخ المشرقة، وقدمت بذات الوقت للعراقيين كل خبرتها ودعمها ليكون العراق أيضاً خالياً من الحروب والكراهية والعنصرية ويعيش بسلام وينعم بالحرية والرخاء.

إقرأ أيضاً: أربيل التي سبقت دبي

كما هو معلوم، ينتهج النظام الحاكم في إيران منذ أعوام عديدة سياسة طمس الهويات القومية والوطنية لشعوب الشرق الأوسط، وسط سعيه الدؤوب نحو إخضاعها والسيطرة عليها وفق أجنداته، تماماً كما يحصل في العراق ومن خلال افتعال صراعات داخلية، بسطت من خلالها السيطرة على فئات من الشعب العراقي ونجحت في التلاعب بالدستور ووضع العراقيل أمام تنفيذ بنوده، والسيطرة على المحكمة الاتحادية، لدرجة أنها باتت تحاول أن تكون المحكمة مؤسسة إيرانية لها دستور خاص بها، تنفذ ما يصدر من طهران، ضاربة بعرض الحائط الدستور الفدرالي للعراق وعدم الاعتراف به، واستغلال المكون الشيعي تحديداً وتجريده من هويته العربية ووطنه "العراق"، وإلزامه بتنفيذ أجندات إيران سواء بالمال السياسي أو التهديد، بالرغم من أن شيعة إيران هم أنفسهم أيضًا كانوا ضحايا النهج والفكر الطائفي لسياسة النظام الحاكم طوال عقود. بكل تأكيد لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فحسب، حيث يلجأ هذا النظام من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق ضارباً بعرض الحائط كل الأعراف والقوانين الدولية المتعلقة بالقيم والحريات والحقوق المشروعة للشعوب ومبادئ حقوق الإنسان من خلال التدخل المباشر في الشؤون الداخلية لبعض الدول الإقليمية والدولية، وتحويلها إلى ساحات لمعارك دموية، راح ضحيتها مئات الآلاف من الأبرياء من أبناء البلد الواحد، كانوا ضحايا القتل والتهجير والتشريد والفقر بالتزامن مع تدمير البنى التحتية والمرافق الحيوية.

في الحقيقة، لحظة مع الذات يحتاجها جميع من تم التغرير بهم وتجنيدهم، قد تكون اللحظة كافية لكي يكتشفوا وبسهولة أن لا وجود لأي رابط قومي، اجتماعي أو سياسي أو حتى إنساني يربطهم مع ذلك النظام، وسيدركون تماماً أن خلاف ذلك يعني أنهم ليسوا سوى أدوات رخيصة بيد سلطة تنتهج التطرف والعنف والكراهية، بحجة وذريعة الروابط الدينية الطائفية والمذهبية، وبكل تأكيد يجب عليهم أن يسعوا جهدهم للتحرر من تلك العبودية والتبعية الفكرية والعصبية الطائفية. الدين بجميع مذاهبه وطوائفه للسماء والإيمان بخالق الكون، أمَّا الأرض فللعيش بحرية وكرامة والتمسك بالثوابت القومية والإخلاقية والانسانية والمحبة.

إقرأ أيضاً: سياسة واشنطن تتغير والكورد ضحية التناقضات

يحاول النظام الإيراني السيطرة على العراق وإقليم كوردستان وفرض هيمنته وجعلها أرضاً خاصة لانطلاق عملياته ضد مصالح كل الدول المتعارضة مع أجنداته، وبالتالي اللجوء لابتزاز أميركا والدول الأوروبية والعربية والمساومة وفق مصالحه وأجنداته على الشعب العراقي من جهة وإقليم كوردستان من جهة أخرى، واستغلال ثروات البلد ونهبها وإصدار الأوامر لاتباعه ممن تم التغرير بهم لتنفيذ أوامره متى ما شاء وكيفما أراد، مقابل ملفاته العالقة في الدول الإقليمية والدولية، وذاك الابتزاز تهديد خطير لأمن شعوب الشرق الأوسط وأوروبا وأميركا. فهل سترضى الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية والدول العربية والخليجية ذات العروبة الوطنية بهذا المخطط الذي يهدد سيادتها وأمان شعوبها؟ وهل حان الوقت لينتفض العراقيون بسنتهم وشيعتهم في وجه وكلاء إيران من جنسيتهم واسترداد كرامتهم ومحاسبتهم على ما ارتكبوه من مجازر ونهب وسرقة وتدمير وتهريب المخدرات والسلاح وتبييض الأموال على حساب بلدهم؟ ربما حان الوقت، فالحرية والعيش في أمان وتحقيق السلام للأجيال القادمة يستحق الوقوف واتخاذ مواقف ثابتة لضمان مستقبل مشرق.