يواجه نظام الرعاية الصحية في إيران تحديًا كبيرًا: الهجرة الجماعية للممرضات. ولا تنشأ هذه الظاهرة بسبب أوقات الفراغ، كما ذكر مؤخراً أحد أعضاء لجنة الصحة في البرلمان الإيراني، بل بسبب الحقائق الاقتصادية القاسية.

وسلط رضا أريانبور، في حديثه مع نادي الصحفيين الشباب (YJC)، الضوء على التفاوت المالي الصارخ بين خيارات التمريض والعمل البديل. يكسب الممرضون عادةً ما بين 15 و20 مليون تومان (375 إلى 500 دولار) شهريًا، في حين يمكن لبعض سائقي سيارات الأجرة الرقمية أن يكسبوا ما يصل إلى 40 مليون تومان (1000 دولار). هذه الفجوة الكبيرة في الدخل هي المحرك الرئيسي لهجرة الممرضات.

ويمتد هذا النقص إلى ما هو أبعد من الممرضات. تعاني المستشفيات الإيرانية حاليًا من نقص في عدد الأطباء والممرضات، مما دفع وزارتي الصحة والرعاية الاجتماعية والضمان الاجتماعي إلى الإعلان عن خطط لتوظيف 100 ألف ممرضة إضافية. ومع ذلك، يجب معالجة الأسباب الجذرية للهجرة الجماعية إذا أردنا تحقيق هذا الهدف.

يواجه المهنيون الطبيون الإيرانيون العديد من التحديات، بما في ذلك أعباء العمل الثقيلة، والرواتب المنخفضة، وتأخر المدفوعات، والتضخم، والتمثيل النقابي المحدود. صرح عزام فخري محمودي، عضو المجلس الأعلى لجهاز التمريض، في شباط (فبراير)، أن رواتب الممرضات غير كافية لتلبية احتياجاتهن الأساسية، مما يضطرهن في كثير من الأحيان إلى تولي وظائف متعددة.

وشدد تقرير وكالة مهر للأنباء على هذه النقطة، وكشف أن أجر العمل الإضافي للممرضات لا يتجاوز 15 ألف تومان (0.25 دولار) في الساعة. وهذا المبلغ أقل بكثير مما يمكن أن يكسبه شخص حصل حتى على تعليم أساسي، مما يسلط الضوء على مكانة الممرضات المتراجعة بشدة داخل النظام.

وأدت الأزمة الاقتصادية في إيران والصعوبات المالية الناتجة عنها إلى تفاقم المشكلة. وكما أشار محمد تقي جهانبور، النائب الثاني لرئيس المجلس الأعلى لنظام التمريض، في كانون الأول (ديسمبر) 2023، فإن تحسين سبل عيش الممرضات أمر بالغ الأهمية لمنع المزيد من هروب الموظفين.

الأرقام الرسمية ترسم صورة مثيرة للقلق. وفي حين تدرب إيران ما يقرب من 10 آلاف ممرضة سنويًا، فقد هاجر ما يقرب من 3000 ممرضة في عام 2022 وحده. وهذا التوجه يدفع بالقضية إلى نقطة الأزمة، كما اعترف بذلك بعض المسؤولين في الحكومة الإيرانية.

إقرأ أيضاً: النظام الإيراني والخداع الانتخابي

كشفت دراسة استقصائية عن مستوى مثير للقلق من عدم الرضا بين الممرضات: أكثر من 90 بالمئة أبلغن عن مشكلات تتعلق بمعيشتهن، وتفاوت الدخل داخل القطاع الطبي، وعدم التنفيذ السليم لقوانين العمل، وانعدام الأمن الوظيفي، والعمل الإضافي القسري مع الحد الأدنى من التعويضات، مما يؤدي في النهاية إلى الإرهاق.

وقد تجلت هذه القضايا في الاحتجاجات العامة التي نظمتها الممرضات في الأشهر الأخيرة. ويطالبون بظروف عمل ورواتب أفضل تعكس دورهم الحيوي في نظام الرعاية الصحية. ومع ذلك، تشير التقارير إلى أن هذه الاحتجاجات قوبلت بإجراءات عقابية، بما في ذلك الفصل من الخدمة لمدة ستة أشهر.

إن هجرة الممرضات الإيرانيات ليست ظاهرة معزولة. وتشمل موجة الهجرة الأوسع الطلاب والعمال والأطباء والمتخصصين. ويحذر الخبراء من العواقب إذا استمر هذا الاتجاه دون رادع.

إقرأ أيضاً: هل ضاعت مليارات دعم الأسد؟

تعتبر قضية هروب الممرضات وسوء أوضاعهن المعيشية والحياتية إحدى الأزمات الاقتصادية العديدة والملحة في إيران تحت حكم نظام الملالي، وهي مجرد صورة مبسطة عن الوضع المزري لمحدودي الدخل وتدني المستويات المعيشي للطبقة الوسطى الإيرانية التي باتت شبه معدومة في المجتمع الإيراني.

وينظر الإيرانيون بشكل عام إلى أن السبب الرئيسي لبؤسهم وشقائهم هو النظام الحاكم الذي نهب كل ثروات البلاد وسخرها لتنفيذ أجنداته النووية أو الخارجية العبثية دون الاهتمام بمتابعة التكاليف الباهظة لتحسين الاقتصاد الإيراني. وترى النسبة العظمي من المجتمع الإيراني أن هذا النظام الفاسد لا يريد أو لا يستطيع حل الأزمات الاقتصادية المزمنة، وأن الحل لا يكمن في تغيير سلوك النظام وتوجهاته، إنما بحل جذري وعملي فعال يتلخص بالخلاص منه ومن جميع فصائله الحاكمة.