من يمر على ما ثبتته وسائل الميديا بقنواتنا ولقاءاتها التي أجريت بأوقات مختلفة مع الرئيس مسعود بارزاني منذ ما قبل تشكل ما يعرف بديمقراطية الأحكام الجديدة في العراق الحديث بعد عام 2003، سيجد أن ذات الخطاب الأول والفهم الذي تربى عليه الرئيس بارزاني كان من أبجديات القضية الكوردية التي نشأت وانتقلت مفاهيمها بشكل لم يقبل النقاش أو التغيير فيما يخص حقوق الشعب الكوردي ونضاله الطويل الممتد عبر التاريخ بمراحله المختلفة، والتي اختلفت معها شكليات وأعراف حكام وأحكام العراق منذ أن شُكِلت أولى ملامح دولته فمملكته إلى جمهوريته، إلى حيث ما يعرف قبل عشرين عاماً بالعراق الكونفيدرالي الحديث، الذي بني على أساس الشراكة والتوازن والتوافق من حيث شكلية المظهر على أقل تقدير!

بالعودة إلى ما عنوان المقال دعونا نراجع خطابات الرئيس بارزاني منذ لحظة تشكيل أول برلمان لإقليم كوردستان في 19 أيار (مايو) 1992، حيث تمثلت تلك الخطابات بواجب الدفاع عن حقوق شعب إقليم كوردستان، والإصرار على المطالبة بحقوق الشهداء والمهجرين والمغيبين... تلك الدعوات في الخطابات تشابهت من حيث الجوهر قبل تشكيل برلمان الإقليم، فهي كانت حاضرة في كل الثورات الكوردية وأهدافها لنيل الحرية، إن كان في ثورة أيلول (سبتمبر) وثورة گولان وما تلاها... وتلك هي الصفة الأساس التي لم يتنازل عنها الرئيس بارزاني في مؤتمرات المعارضة العراقية التي أقيم أولها في النمسا عام 1992 ثم في أربيل في العام نفسه وفي نيويورك عام 1999 ولندن عام 2002 ثم نيويورك عام 2003، حيث يستذكر القارئ لهذا السرد من الأحداث ثبات المواقف وصور الرئيس بارزاني وهو يتوسط المعارضة العراقية ماسكاً قلمه ودفتره دون غيره! ليُثبت أسس الشراكة وقبلها الحقوق لكل العراقيين وحقوق شعب إقليم كوردستان الذي تعرض إلى قمع حكومات العراق المتتالية، ابتداءً من التهجير والتعريب مروراً بقصف القرى والكيماوي وما تلاها من أحداث.

إقرأ أيضاً: إقليم كوردستان: التحديات لا تعطل الإنجازات

وإذا ما تتبع القارئ والملم بالأحداث السياسية ليستعيد شريط المقابلات التي أجريت مع الرئيس بارزاني عبر مختلف وسائل الإعلام وتوجهاتها، سيجد أن ذات الخطاب لم يتغير، وإن تغيرت أشكال السلطات ومحاكمها في العراق من محكمة المهداوي عام 1958 إلى محكمة الثورة عام 1968 إلى المحكمة الاتحادية عام 2005 إلى كل القمع الذي مورس بحق وحقوق الشعب الكوردي وبمختلف الأزمنة الغابرة، يعود ويؤكد بارزاني في خطاباته ولقاءاته بمختلف تلك المراحل وما سبقها وما تلاها على أسس لم تخرج من وحي التمني بل لثوابت لا تقبل النقاش كانت راسخة في كل الظروف، ومنها إلى قبول الكورد بالدخول في معادلة العراق الحديث الذي أنصف في دستوره حقوقاً ما زالت مؤجلة، وما زال منها ما يخضع لأحاديث التفسير!

التوازن والشراكة والتوافق وحقوق الكورد صيغة يعيد التذكير بها حديث بارزاني في معظم لقاءاته وسرده لبطولات البيشمركة، تلك القوة التي أسست لشعب كوردستان بدمائها.

إقرأ أيضاً: الديمقراطية في العراق: ترقيع ثوب صدام!

ولأنَّ السياسة عبر المفهوم الدكتاتوري لا تقبل الشراكة، وإن اتخذت في بعض شكلياتها صورة الاعتراف بحقوق كوردستان وعادت لتقمعهم! فالديمقراطية بمفهوم مركزية التفسير والقرارات تباعاً هي الأخرى لم تختلف عن سابقاتها من حيث الجدلية ورفض إنصاف القضية الكوردية! ولأنَّ مفهوم الممكن في سياسة الديمقراطي وقيادته الممثلة بالرئيس بارزاني لا تقبل المغامرة بحقوق شعب إقليم كوردستان المصانة من حيث الأساس بتاريخ نضال أمة يرى القارئ للمشهد السياسي ثبات المواقف عند الرئيس بارزاني الى حد لم تقبل به أعراف السلطات التي توالت على العراق، وما زلنا ننتظر تطبيق مفهوم الديمقراطية المغيب والمفسر والمشتت في محاولاته البائسة لمصير شعب إقليم كوردستان.