وسط مسلسل الحرب المستمرة منذ 7 أشهر، لم تتوقف آلة جيش الاحتلال الإسرائيلي عن اغتيال الطفولة معتبرة أي جسم يتحرك هدفاً مشروعاً في القطاع، وكان آخر هذه الجرائم ما حدث مع الطفل الفلسطيني زين، الذي لقي مصيراً قاسياً أثناء محاولته الحصول على وجبة طعام خلال إسقاط المساعدات الغذائية على مخيمات رفح.

بالتأكيد هذه الجريمة البشعة تضاف إلى سجل الجرائم الإسرائيلية، فالطفل زين أصبح ضحية إضافية من ضحايا حرب عبثية لم تنتج للفلسطينيين، وتحديدًا أهل غزة والمنطقة، سوى الخراب، فعندما دمرت غارة جوية إسرائيلية منزل أسرة الصغير في تشرين الثاني (نوفمبر)، كان زين عروق (13 عامًا) محاصرا تحت الأنقاض، وقد أصيب لكنه نجا، بينما توفي 17 فرداً من عائلته الممتدة.

زين لقي مصيرًا قاسيًا في غزة، حيث يواجه الفلسطينيون نقصاً حاداً في الأدوية والغذاء والمياه في ظل أزمة إنسانية متفاقمة وقاسية لا ترحم صغيراً أو كبيراً، وذلك بعد أكثر من ستة أشهر ونصف الشهر من الحرب الإسرائيلية الشعواء على هذا القطاع الجريح. وفي الأسبوع الماضي، أثناء عملية إسقاط المساعدات جواً، أصيب زين بإحدى الطرود بينما كان يهرع لمحاولة الحصول على علبة فول أو بعض الأرز أو الدقيق من المساعدات التي تسقطها مصر أو أميركا أو قطر أو الإمارات على المدنيين المحاصرين في رفح وفي ربوع غزة الجريحة، ومات متأثراً بها.

موت الطفل زين بالتأكيد يُدمي القلوب، لكن هناك أكثر من 13800 طفل في قطاع غزة قتلوا مثل زين منذ بدء الحرب بين حركة حماس وإسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، كما أن هناك طفلاً واحداً يصاب أو يموت كل 10 دقائق في غزة، فمن ينقذ الطفولة من براثن إسرائيل، التي تريد على ما يبدو محو الأجيال في غزة، بقتل الأطفال بأعداد تنافس أبشع الحروب، وممارسة خطة الإبادة أو القتل الجماعي للصغار حتى لا يأتي جيل جديد يدافع عن أرضه ووطنه... إنها لا تريد بالتأكيد سوى محو القضية الفلسطينية من الوجود!

مسلسل الموت البطيء لأطفال غزة ممتد حتى هذه اللحظة، فما زالوا يعانون بسبب التصعيد العنيف ضدهم، ولا يجدون مأوى أو أكلاً نظيفاً أو مياهاً صالحة للشرب أو حتى مكاناً آمناً؛ حتى مدارسهم دمرتها إسرائيل، فلم يتبق لهم سوى الخلاء والخيام ليقضوا فيها أوقاتهم الصعبة، كما انتشرت الأمراض بينهم في المخيمات بسبب سوء التغذية ورائحة البارود والرصاص وكذلك ندرة المياه النظيفة وقلة الإمدادات الطبية، إذ هناك 800 ألف أسرة لا يسعها الحصول على المياه النظيفة من الشبكة بسبب الأضرار الكبيرة التي لحقت بالآبار والخزانات الجوفية ومحطات تحلية المياه ومحطات الصرف الصحي وشبكات توصيل المياه ومحطات الضخ، مما يعرض الأطفال لخطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه.

كذلك، انخفض إنتاج الكهرباء في مختلف أنحاء غزة بنسبة 60 بالمئة تقريباً، مما جعل المستشفيات تعتمد أكثر على المولدات لتوفير خدمات الرعاية الصحية الأساسية وخاصة للأطفال، هذا بجانب ضعف وصول المساعدات والمخاطر المتعددة التي تواجه العمليات الإنسانية للأمم المتحدة، الأمر الذي يؤثر على الأطفال ويعيق قدرة الأمهات على إرضاع أطفالهن رضاعة طبيعية، وانتشار أمراض سوء التعذية الحاد والأمراض التنفسية الناتجة عن التلوث حتى اليونيسف ذكرت أن حوالى 16 بالمئة (واحداً من بين كل 6 أطفال دون سن الثانية من العمر) يعانون من سوء التغذية الحاد.

ومر عيد الفطر على أطفال غزة حزينًا ومثقلًا بالآلام، فما بين فقدان الأهل كالأب أو الأم أو كلاهما أو الأخوات زادت مأساة الصغار، كما أن الموت مازال يحدق ويفتك بهم في كل لحظة سواء ببارود أو طائرات إسرائيل أو بالحصار الغذائي والمائي أو بالأمراض الوبائية دون وجود رعاية صحية، كمرض الكوليرا الذي تفشى بين أكثر من 355 ألف نازح فلسطيني وانتقل إلى الأطفال.

وفي ظل القيود التي تفرضها إسرائيل والتي تعيق وصول المساعدات والمواد الأساسية، يناشد أطفال غزة العالم الحي والمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان ورعاية الأطفال في المناطق المنكوبة وجميع الأحرار المتعاطفين مع البراءة الفلسطينية بأن يستمروا في الضغط الإعلامي والسياسي لفك الخناق والحصار ولوقف آلة الدمار، آملين بأن يعاملوا بنفس المعاملة التي تلقاها أطفال أوكرانيا.. فالطفولة واحدة مهما اختلفت الأعراق والأجناس والأديان والألوان، وحمايتها من أخطار الحروب والعنف مسؤولية يفرضها الضمير الإنساني.