منذُ قتل ثلاثة أسرى إسرائيليين في غزة من قبل جيشهم، وكانوا يلوّحون بالرايات البيضاء وأحدهم كان يستنجد بالعبرية قائلاً "أنقذونا"... مُنذ ذلك الحين وحركة حماس تنشر فيديوهات تتعلّق بالأسرى الإسرائيليّين لَديْها، وآخِر هذه الفيديوهات ما نشرته كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، الأربعاء في 24 نيسان (أبريل) 2024، وهو رسالة أسير إسرائيلي - أميركي في غزة موجهة إلى المسؤولين الإسرائيليّين العسكريّين وإلى رئيس حكومة الكيان بنيامين تتنياهو. عنوان مقطع الفيديو "افعلوا ما هو متوقع منكم وأعيدونا للبيوت حالاً، أم أن هذا أصبح كبيراً عليكم"؟، وفيه ناشَدَ الأسير مُزدوج الجنسيّة هيرش غولدبيرغ بولين، البالغ من العمر 24 عاماً، الحكومة الإسرائيلية بإعادته إلى عائلته...

وقال الأسير: "آن الأوان لتسليم المفاتيح وإخلاء الوزارات وأن تجلسوا في بيوتكم، يجب عليكم أن تخجلوا من أنفسكم لأنكم أهملتمونا مع آلاف المواطنين الآخرين وترككم إيانا 200 يوم". وأضاف: "جهود تل أبيب باءت بالفشل لأنَّ سلاح الجو قتل حوالى 70 أسيراً إسرائيلياً".

وبثت كتائب القسام السبت 28 نيسان (أبريل) 2024 مقطعاً لأسيريْن إسرائيليين يُطالِبان بمواصلة التظاهر ضد حكومة نتنياهو من أجل إجباره على التوصل إلى صفقة تبادل فورية.

فَبَعد أكثر من سِتّةَ أشهر من المعارك الطاحنة التي خاضها جيش الاحتلال مع المقاومة الفلسطينية في كلّ ربوع غزة، لم تستطع إسرائيل تحرير أسراها، سِوى مَن تمَّ الإفراج عنهم من قبل من خلال صفقة تبادل الأسرى في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، ومُعظمهم قُتِلوا بنيران جنودِهم.

من خلال الفيديوهات التي تنشرها كتائب القسام، والتي عرفت انتشاراً واسعاً في المواقِع الاجتماعيّة ووَصل صداها إلى أُسَر وأهالي الأسرى في إسرائيل، تكون حماس قد نَجحت في تحريك الشارع الإسرائيلي ضدّ نتنياهو ومَسؤوليه العسكريّين الذين يُدْلُون بتصريحات كاذِبة في مُخاطبة أهالي الأسرى يقولون فيها إنّ هدفهم الأول من حرب غزة هو تحرير الأسرى من يد حماس.

إقرأ أيضاً: دَعمُ المَغرب لأهالي القُدس نموذجٌ يجب الاقتداءُ به

لقد لعبت الفيديوهات التي تنشُرها القسام دوْراً أساسيّاً في تهييج المُجتمع الإسرائيلي، الذي يقوم بِمُظاهرات صاخبةٍ في شوارع تل أبيب مُندِّدة بسياسة نتنياهو في تحرير الأسرى ومُطالبته بالرحيل وترك السلطة، وقد انتقلت عدوى هذه التحركات الشعبيّة إلى القدس يومَ الأربعاء 24 نيسان (أبريل)، فقد خرجت جُموع غفيرة من المستوطنين المُؤيّدين والمُعارِضين للسلطات الإسرائيليّة حول قضية الأسرى المُحتجَزين في غزة، مِمّا يُنْذِر بتوسُّع رُقعة هذه الاحتجاجات، في حال عدم قبول السلطات الإسرائيليّة بشروط حركة حماس المبنية أساساً على الوَقْف الدّائم للحرب على الشعب في غزة وانسحاب الجيش الإسرائيليّ من القطاع والسماح بإدخال المُساعدات الإنسانيّة لأهالي غزة وعودة النّازحين من الشمال إلى بيوتِهم وإعادة إعمار ما دَمَّرتهُ الألة الحربيّة الإسرائيليّة.

استطاعت حماس، بِحِنْكتِها وحِكمَتها تحقيق التَّقدُّم في مُواجهَتها لِإسرائيل على جَبْهتيْن، الجبهة الأولى، وهي على أرض المعركة، حيثُ تشنّ هجماتِها على قوّات الكيان الإسرائيلي على أرض الميدان، فتُكبِّده كلّ يوم خسائر فادحةً في الأرواح والعتاد الحربيّ، أمّا الجبهة الثانيَة، والتي لا تقِلّ أهمّيةً عن الأولى، وهي نشرها فيديوهات تتعلّق بِالأسرى تُثير استياءً عميقاً في أوساط المُجتمع الإسرائيليّ الذي ثارَ ولا يزالُ في وجه سُلطاته السياسيّة والعسكريّة التي لمْ تستطِع، بعد مُضي ما يقرب من سبعة أشهر من الحرب من تحرير الأسرى، السلطة التي لا تَزال تتبجّح بتحريرهم بالقوّة، بعد القضاء على حركة حماس.

إقرأ أيضاً: الانقسام لا يخدُم القضية الفلسطينيّة

في ظلّ عدم تحقيق أهداف الكيان الإسرائيلي المُعلَنة في غزة، يبقى السؤال المطروح هو: هل ستَعترف إسرائيل بِهزيمتها أمام المُقاوَمة الفلسطينيّة، وبالتالي تَرضخ لِشروط حماس في مسالة تبادُل الأسرى وانهاء الحرب، أم سيستمِرّ نتنياهو في تَعنُّته واستمراره في إطالَة أمد الحرب سعياً وراء انتصارٍ غير قابلٍ للتحقيق؟
أصبحت إسرائيل وأميركا مُدْرِكتيْن، أكثرَ من أيّ وقتٍ مَضى، أنَّ الانتصار على حركة المُقاوَمة في غزّة أمْرٌ مُستحيل، وأنّ حماس تقوم بِحربِ استنزاف، لن يقوى الجيش الاسرائيليّ على الاستمرار في خوْضِها.