عبد الواحد بن مسعود بن محمد العنوري ليس اسماً يرتبط بفن البورتريهات في عهد الملكة اليزابيث الأولى الذي كان معروفا برسم ارستوقراطيين انكليز ذوي وجوه شاحبة خالية من التعبير.&

ولكن في خريف 1600 وصل العنوري الى لندن سفيرا للعاهل المغربي مولاي احمد المنصور وجلس لرسم صورته التي أصبحت أقدم بورتريه لمسلم اثناء وجوده في انكلترا. ويكتنف الصورة شيء من الغموض. فالفنان الذي رسمها وأصلها ظلا مجهولين الى ان ظهرت في مزاد اقامته دار كريستي عام 1955 حين اشتُريت ثم بيعت الى مالكها الحالي، معهد شكسبير في جامعة برمنغهام.&

العنوري يظهر&برداء عربي اسود وعمامة بيضاء وسيف مغربي

ويظهر العنوري في البورتريه برداء عربي اسود وعمامة بيضاء وسيف مغربي تزينه النقوش. ويواجه العنوري من يقف امام البوتريه بنظرة ثاقبة، وملامح تتبدى فيها روح التحدي والثقة وربما ابتسامة خفيفة تنم على جذل.&

فهو ليس خادما اسود متواضعا بل سفير وربما محارب له مكانته جاء الى لندن في مهمة دبلوماسية كبيرة، كما يتضح من العبارات المكتوبة على اللوحة التي يعود تاريخها الى عام 1600 ويظهر عليها اسمه باللغة الانكليزية وعمره (42 عاما) ولقبه (مبعوث ملك المغرب الى انكلترا).&

وصل العنوري الى شواطئ انكلترا في آب/اغسطس 1600 على رأس وفد يضم 16 عضوا من التجار والمترجمين والعلماء لاقامة تحالف بين آل تيودر البروتستانتيين والمغرب المسلم ضد عدوهما المشترك اسبانيا الكاثوليكية.&

وكان ذلك تكليلا لخمسين عاما من العلاقات الطيبة بين انكلترا والمغرب شهدت ازدهار التجارة بالملح الصخري المغربي (نترات الصويوم التي تُستخدم لصنع البارود) والسكر (الذي أتلف اسنان اليزابيث الأولى) مقابل المنسوجات والأعتدة الانكليزية. وأدت العلاقىة المتينة الى مراسلات ودية بين اليزابيث والمنصور وتأسيس الشركة الانكليزية البربرية عام 1585. وحين دخل موكب العنوري لندن رافقه تجار الشركة الذين وضعوا تحت تصرفه منزلا في منطقة ستراند وسط المدينة حيث اقام نحو ستة أشهر.&

صورة من مسرحية عطيل في لندن عام 2007

وفي غضون اسابيع بدأ العنوري يجتمع مع الملكة اليزابيث في قصورها حيث اقترح عليها فكرة التحالف العسكري ضد اسبانيا بل ذهب ابعد من ذلك بفكرة جريئة اقترح فيها التعاون على انتزاع جزر الهند الشرقية والغربية من السيطرة الاسبانية. وفيما كان العنوري ينتظر الرد على مقترحاته في الاسابيع الأخيرة من عام 1600 رُسم له البورتريه تكريما لذكرى التحالف الذي سيغير ميزان القوى في اوروبا.&

ولكن الصورة رُسمت والتحالف لم ير النور. واكتشفت اليزابيث الأولى ان العنوري مسلم مولود في اسبانيا حيث أُجبر على اعتناق المسيحية لكنه وجد طريقه الى المغرب وعاد الى دينه الأصلي، الاسلام.&

&في شباط/فبراير 1601 عاد العنوري الى المغرب وبعد عامين توفيت الملكة اليزابيث الأولى والعنوري فيما عقد ملك انكلترا الجديد جيمس الأول صلحاً مع اسبانيا انهى الحاجة الى تحالف انكلو مغربي. ولكن المغرب لم يكن البلد المسلم الذي اقامت اليزابيث الأولى علاقات معه. ففي ستينات القرن السادس عشر راسلت شاه بلاد فارس طمهاسب عارضة اقامة تحالف تجاري.&

وفي عام 1581 ارسلت سفيرا الى القسطنطينة وعقدت معاهدات تجارية مع الامبراطورية العثمانية وراسلت السلطان مراد الثالث ووالدته بانتظام على امتداد 30 عاما متبادلة معهما الهدايا الدبلوماسية. وسارع المسرحيون الاليزابيثيون الى استلهام هذه التحالفات.&

وقُدمت ابتداء من اواخر ثمانينات القرن السادس عشر 60 مسرحية ذات شخصيات أو موضوعات أو اجواء اسلامية. وكان شكسبير احد هؤلاء المسرحيين كما تبين الشخصيات المسلمة في مسرحيات تايتوس اندرونيكوس وتاجر البندقية وبالطبع عطيل.&

ويرى الباحث المختص بدراسات عصر النهضة في جامعة كوين ماري في لندن جيري بروتون ان هناك اوجه شبه لافتة بين العنوري وعطيل. فان عُطيل دُعي الى قلب العالم المسيحي لمحاربة الكفار ولكنه اصبح في النهاية مغضوبا عليه.&

والعنوري غادر لندن دون ان ينجز مهمته. وتعمد شكسبير ان يثير من الأسئلة أكثر مما يجيب. هل ولد عطيل مسلما أم من البربر قبل دخولهم الاسلام؟ هل "العدو الوقح" في نص مسرحية عطيل هو العثماني؟ وهل عبوديته تقوده الى اعتناق الاسلام؟ ويوظف شكسبير المشاعر المتذبذبة تجاه حقبة من الود بين انكلترا المسيحية والمغرب المسلم.&

فهي ليست مشاعر معادية ولا مشاعر اعجاب بل هذه وتلك في آن واحد.&
عطيل، بحسب الأكاديمي بروتون مغربي حارب مع المسيحيين لحماية دولة البندقية وتركي مخيف يقتل "الهرطقة" في داخله. وما زال الالتباس العميق إزاء الاسلام الذي يوظفه شكسبير في عطيل قائما بين الغربيين ولا يتبدى هذا بشكل ساطع كما يتبدى في راهنية ما تشير اليه المسرحية من لقاء المغاربة والأتراك والمسيحيين في حلب، الرمز المفجع لتدمير التعدد الثقافي الكوزموبوليتاني اليوم.&