يعتبر كتاب عن تاريخ النساء في أوروبا اعتبارًا من القرن الثامن عشر وحتى يومنا هذا مشروعًا ضخمًا للغاية، شارك 68 باحثًا آخر من مختلف أنحاء أوروبا فيه مختارين أسماء نساء معروفات ومغمورات ساهمن في صياغة تاريخ بلدانهن.

إيلاف: يعتبر وضع مؤلف تاريخي بمشاركة عدد كبير من الباحثين تحديًا كبيرًا بالنسبة إلى المشرفين على تنفيذه، لا سيما عندما يكون الموضوع مترامي الأطراف، وعندما يغطي حقبة تاريخية غنية، وعندما يتطرق إلى موضوعات شديدة التنوع.

إيلاف: مع ذلك غامر مؤرخان هما فابريس فيريجلي وجولي لو غاك بتاريخهما العلمي والمهني عندما فكرا في وضع كتاب ضخم عن النساء في أوروبا اعتبارًا من القرن الثامن عشر وحتى يومنا هذا، وهو مشروع ضخم للغاية، شارك 68 باحثًا آخر من مختلف أنحاء أوروبا فيه إذ قاموا بعملية جرد تاريخي اختاروا على أساسه أسماء نساء معروفات ومغمورات ساهمن في صياغة تاريخ بلدانهن وفي صناعته وفي تطوير المجتمعات التي عشن فيها.

تنوع جغرافي
يرى نقاد أن هذا المؤلف الذي يحمل عنوان "نساء أوروبا من القرن الثامن عشر حتى القرن الحادي والعشرين" ملأ ثغرة كبيرة وسد نقصًا واضحًا في المكتبة الأوروبية بقدر تعلق الأمر بدور النساء رغم تعدد المؤلفات المتعلقة بهن وبمساهماتهن التاريخية في الحقب التي عشن فيها.

الفرق بين هذا الكتاب ومؤلفات أخرى أنه موسوعي يغطي منطقة جغرافية واسعة تمتد من أوروبا الشمالية إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط ومن تركيا إلى السويد مرورًا بروسيا، ما يعني تنوع انتماءات الشخصيات المختارة على صعيد الأصول الوطنية والاجتماعية والثقافية والجغرافية.

يتضمن المؤلف عددًا ضخمًا من الوثائق المكتوبة أو المصورة، وكلها معروضة بنسختها ولغتها الأصليتين مرفقة بترجمة إلى اللغة الفرنسية، إلى جانب مقدمة تعطي فكرة وجيزة عنها ثم توضيحات تاريخية وضعها أحد الباحثين المشاركين، وهو ما يجعل الكتاب سهل الاستيعاب بالنسبة إلى القارئ.

رجال داعمين
لتسهيل الأمر بشكل أكبر اختار المشرفون توزيع الشخصيات التي تم اختيارها وفقًا لموضوعات بلغ عددها 11، وليس اعتمادًا على التسلسل التاريخي ، ما يعني أن نقرأ عن مثقفات ونساء بسيطات من مختلف الانتماءات الاجتماعية والثقافية، وأن نعثر مثلًا على اسم فلاحة تركية إلى جانب اسم ارستقراطية انكليزية من القرن الثامن عشر، وهو ما يسمح لنا بالجمع بين الأشباه وإجراء مقارنة بين شخصيات عاشت في حقب مختلفة، ولكنها اشتركت في طبيعة إنجازاتها.

الملاحظ أيضًا أن هذه الشخصيات المختارة لا تقتصر على النساء فحسب، بل ضمت أيضًا أسماء رجال شاركوا في تعزيز دور المرأة وفي الدفاع عنها ومنحها مكانتها المرجوة في أوروبا.

من موضوعات الكتاب مثلًا "نساء في فترات الحروب"، حيث نتعرف إلى نسوة كان لهن دورهن المهم في أزمان الصراعات ثم "نسوة في عصر التنوير" في القرن الثامن عشر من أمثال أنجليك دو كودري التي أسست مؤسسة خاصة لتدريب القابلات المأذونات في القرن نفسه. 

ونقرأ أيضًا عن "عاملة من كل بلد" حيث جمع المشرفون بين اسم خياطة الطبقة البرجوازية ومصممة الأزياء الفرنسية الشهيرة كوكو شانيل واسم الناشطة النسوية والسياسية النمساوية آديلهيد بوب، وهما امرأتان كانت لهما أفكار وآيديولوجيات متعارضة تمامًا.

نتوقف أيضًا في هذا المؤلف عند منجزات نساء اختلفن مع أفكار عصورهن وحاربن مجتمعاتهن بطرقهن الخاصة من أمثال المفكرة والروائية الفرنسية سيمون دو بوفوار والبريطانية فرجينيا وولف ثم آنا فرانك وأولومب دو غوج أو ألكسندرا كولونتاي وسيمون دو في.

مغمورات مؤثرات
كل هؤلاء من الشهيرات ، لكن الكتاب يتضمن أيضًا أسماء أخريات كانت لهن إنجازاتهن المهمة، ثم ذهبت ذكراهن طيّ النسيان من أمثال الروسية فالنتينا تيريسكوفا التي كانت أول امرأة خرجت إلى الفضاء.

لم ينس الباحثون اختيار أسماء نسوة مغمورات، لم يسمع بهن أحد تقريبًا، وإبراز أدوارهن وتأثيرهن على الطبقات الشعبية من أمثال أصلان توفان إيجمن، وهي فلاحة تركية انتخبت عضوة في البرلمان التركي في عام 1935.

ويشير المشرفون على وضع هذا المؤلف في مقدمتهم إلى أن هدف هذه الموسوعة هو توعية الأجيال الجديدة بمدى اللا مساواة بين الجنسين وأبعادها، ثم بحقيقة إنجازات المرأة في إطار هذه الحقبة التاريخية الممتدة ما بين القرن الثامن عشر وزمننا الحاضر. 
ويرى نقاد أن هذا الكتاب لم يأت فقط ليسدّ نقصًا مهمًا في المكتبة، بل هو أيضًا كتاب طال انتظاره، لا سيما على مستوى وجهة النظر التي تبناها.