&جارتنا هى قابلة القرية الوحيدة استدعيناها وجاءت على عجل عندما جاء المخاض لأمى، كانت الشمس على وشك المغيب،كانت أمى على فراشها تحتضنى وهى تتألم وتبكى، نصحتنى جدتى بالذهاب للعب مع أقرانى فى بيت جارتنا،ولازلت أذكر شدة قبضة أمى على كفى الصغير وهى لاتريد أن أذهب، تركتنى بعد قبلات دامعة حارة ونظرات لم أكن أعلم أنها الأخيرة،لعبت ونمت واستيقظت فى الفجر على صوت الصراخ، هرولت الى الشارع واندفعت نحو باب بيتنا اقتحمت أزرع كل النساء الممدودة كالمتاريس لتمنعنى من الوصول لفراش أمى، لكننى وصلت اليها نزعت الغطاء عن وجهها وكان لقائى الأول مع الموت، وجه أمى شاحبا وملامحها ساكنة، انتظرت حضن أو قبله لكن شيئا لم يحدث،ولم أدرى ماذا أفعل أحسست أننى وحيد ولم أعد أسمع شيئا لاصراخ النساء ولا نحيب جدتى،وتسلل الى روحى شعور الخوف الممزوج بالحزن والضياع،وتشبثت بقائم السرير لابقى بجوارها،وكل لحظة كنت احس أن أمى على وشك أن تفتح عينيها، وعندما جاء الرجال بصندوق خشبى فارغ ووضعوه بجانب فراش أمى عرفت بقية السيناريو، سيضعوا أمى فى الصندوق ويغلقوه ويأخذوها الى الصحراء،وفعلوا،وبقىت متشبثا بقائم السرير ومرت ستة عقود على الحدث كبرت وتزوجت وأنجبت أولاد وأحفاد وأشعر أننى لازلت متشبثا بقائم السرير منتظرها تفتح عيناها لتمنحنى حضنا أوقبله من ذاك الذى لم أذقه منذ رحلت عنى، ومنذ ستة عقود لم يسقط حرف ولا مشهد من شريط الحدث فهو جاهز للعرض فى أى لحظة بضغطة واحدة على زر فى لوحة مفاتيح آلة الذكريات التى تعطلت فيها كل الازرار عدا واحد يعرض الحدث بمنظور رباعى الابعاد صوت وصورة وزمن ورائحة فراش أمى أو رائحة الموت التى عششت فى خياشيمى ولم تنمح حتى اليوم.