تذهب "يوليا كريستيفا" (1941)، &Julia Kristeva &<الناقدة الفرنسية من اصول بلغارية>، الى تحديد معنى "التناص" Intertextuality ، التى نحتته كمصطلح جديد في مفردات خطاب النقد الحداثي، من انه "لوحة فسيفسائية من الاقتباسات، مثلما ان كل نص هو تشرّب وإحالة &لنصوص اخرى، كما انه تقاطع داخل نص مأخوذ من نصوص اخرى". ومجال التناص لا يقتصر على الجانب الادبي، وانما يتضمن كل ما انتجته الحضارة الانسانية من علوم وآداب وفنون. كما ان التناص معني ثقافياً، في كشف العلاقات الثنائية بين منجز فني محدد (باعتباره نصاً ابداعياً)، ومنجز فني آخر. انه &ينشد الى إدخال قيم هجينة، تعود لثقافات اخرى ومفاهيم ابداعية مختلفة، وتجعل منها خطابا لمرجعية فكرية تنهض عليها الممارسة الابداعية، فقيمة الاثر المميز فنيا والاستثنائي في فكرته التصميمية، المنتمي الى ثقافة معينة، يتبدى بمدلول آخر، يضاف الى مداليله الخاصة والمعرّف بها، ضمن سياق المفاهيم الثقافية والفنية التى ينتمى اليها، عبر قراءة مختلفة وتأويل مغاير. ويبقى "التناص" بكونه عملية ابداعية، يلجأ اليها الفنان المبدع بمحض رغبته، سعياً لاثراء منجزه التصميمي. فهو في هذا المفهوم ، ليس فعلا لاغيا لشخصية الفنان المتناص بمنجزه مع الآخر، بقدر ما "يكرس" حضوره في المشهد الابداعي، مانحاً ذلك المنجز "البدئي" نكهة خاصة، تتساوق مع نكهة المنتج المتناص معه، المتسم على اضافة &تصميمية، تنزع لان تكون &مترعة بالفرادة والاستثنائية.
في عام 1970، صمم الثلاثي المتكون من مصممين ايطاليين يسكنون في مدينة ميلانو، &وهم "جونثان دي باس" (1932 -1991) J. DE Pas ، و"دوناتو دي اوربينو" (1935) D. D’Urbino، و" باولو لوماتسي" (1936) P. Lomazzi، صمموا "اريكة" (كرسي ذا ذراعين) Armchair ، بشكل مثير ولافت. وكان ذلك "الشكل" &عبارة عن "قفاز" ضخم، يستخدمه عادة لاعب البيسبول. وقد دعى المصممون هذا التصميم باسم "جو" &Joe، تكريما لقفاز لاعب البيسبول الامريكي الاسطوري "جو دي ماجيو"(1914 -1999) &Joe Di Maggio، وهو من اصول ايطالية ايضاً. &وجاء التصميم بانسجام تام مع مبادئ حركة "البوب آرت" Pop -Art، وهو اتجاه فني، شاع، كما هو معلوم &في الخمسينات والستينات ضمن ما يعرف بـ "الثقافة الجماهيرية" Mass Culture ، &والذي من سماته، بانه لا يشير كثيرا الى الفن بحد ذاته، &بقدر ما يهتم بالمواقف التى تؤدي الى منتج ذلك الفن!
كانت "اريكة جو"، وهي مقعد يسع الى شخصين، بهيكل فولاذي من الداخل، ملء برغوة "البولي يورثان"، ومكسوة بقطعة من الجلد. ولوزنها الثقيل نوعا ما فقد جهزت بعجلات وضعت في امكنة خفية. وحددت ابعاد "الاريكة"، بطول بلغ 1750 ملم، وبارتفاع وصل الى 950 ملم وبعمق قدر بـ 1000ملم. وتم اشهار المنتج الذي ارتبط بمكتب "بولترونوفا" &Poltronova، المتخصص بالاثاث سنة 1971. وحازت "اريكة جو" على شهرة واسعة، وتداول خبر ظهورها المجلات العالمية المتخصصة بالديكور والعمارة، كما اقتنت نماذج منها، كمادة دائمة العرض، متاحف فنية عالمية مثل "متحف الفن الحديث" <موما> MoMA &في نيويورك/ الولابات المتحدة، ومتحف "ترينالي التصميم" في ميلانو / ايطليا، وغيرهما من المتاحف العالمية الشهيرة. &كان ظهور تلك "الاريكة" يجسد لحظة تاريخية محددة ، لحظة مجدت "التصميم"، عندما منحت الحرية فيه، نوعا من "حياة" مفعمة بالجمال وبالخطوط والانحناءات، &الى اشكال مفردات "الادوات" اليومية، مخلفة &اثرا واضحا في تاريخ التصميم.
لكن "بيوغرافيا" <اريكة جو> (أو سيرتها الحياتية)، ستغتني، لاحقا، بحصول حدث جديد ومبدع &في آن، عندما لاقى "روبرتا ميلوني" مالك مكتب "بولترونوفا"، ومدير "سنترو استودي" Centro Studi، مع المصمم والمعمار الايطالي "حسين علي عباس حربة" (وهو من اصول عراقية، ولد في الحلة سنة 1961، وانتقل الى ايطاليا لدراسة العمارة فيها وتخرج &معماريا من مدرسة "البوليتكتكو دي تورينو" في مدينة تورينا، بالثمانينات، وهو مالك مكتب <hh > للتصميم في تورينو/ ايطاليا &وحازت تصاميمة على شهرة عالمية واسعة)، اذ اسفر ذلك اللقاء على مداخلة فنية قام بها "حسين حربة" على هيئة <اريكة جو> الشهيرة، والتى يمتلك حقوقها مكتب "بولترونوفا". كانت تلك المداخلة ، نوعا من فعل <تناص> ابداعي وتنويع أخر على "ثيمة" الشكل المبتدع قبل نصف قرن تقريبا، مضفيا له حياة اخرى سماها المكتب المعروف بـ "إزهار جو وتفتحه" &Joe Bloom!&
لم يشأ "حسين حربة" وهو يتعاطي مع موضوعته التصميمة الجديدة المكلف بها، ان يبدل من "اميج" <جو> المثير، او ان يغير معالمه. فهو اذ يبدي احتراما عميقا لعمل زملائه المصممين، سعى وراء ان تكون "مداخلته" التصميمة مقتصرة على "السطح": سطح القطعة الفنية التى اعتبرت، يومها، &احد انجازات "البوب آرت" السبعيني. لكن العمل على <السطح> ، لم يكن، قطعا، "سطحياً"! كان "حربة" يتوق في عمله لاجتراح "حالات"، يمكن بها ان تسهم في تفتّح وتُورق زهرة "اريكة جو"، ليس عن طريق تغيير هيئة "جو"، وانما &ابداء قدر كبير من الاحترام والاجلال لعمل زملائه السابقين. وهو هنا، معني لتحقيق انجاز فني مرموق، بعيداً عن سياق المشاريع التجارية، انجاز، بتساوق حضوره مع مناسبة مرور نصف قرن، على تلك الخطوط والانحناءات التى وسمت الفكرة الرئيسية &لشكل "جو"، والتى بها تزدهر وتتفتح "الاريكة" لاول مرة. فما قام به "حسين حربة" هو اضفاء اشكال "لزخارف" لونية، على سطح "اريكة جو" المعروفة، اشكال تستدعي بالوانها وتعريجاتها "روح" و"اجواء" اشكال الزخارف المعتادة في بلده الام، بيد انها مشغولة بشغف عميق وبتأنً واختزالية، استطاع المصمم ان يضيف بها، ويغير من هيئة القفاز الشهيره، لتكون اضافة انيقة وجاذبة، تشع بالوانها المتوهجة، المكان الذي تتواجد فيه، ناشرة في الوقت ذاته، اريجها العطر فيه. &فوجودها اللافت والملون والمورق، بمقدوره ان يشعرنا بقيمة وجمال استمراية الحضور البهي لتلك &القطعة "النحتية" التى امسى شكلها "ايقونة" فنية من ضمن "ايقونات" الفن المعاصر! انه عمل "تناصي" بامتياز، يعيد فكرة المفهوم عن طريق تلك الاضافة المعبرة والرهيفة، بيد انها تبقى استثنائية في قيمتها واهميتها التكوينية. لقد استطاع "حسين حربة" الارتقاء &بعمله الانيق والمتقن، ليكون تمثيلا لما يمكن ان نسمية تكريس "إستمرارية" الحدث الفني وبقائه، عارضا علينا درسا بليغا في مفهوم "التناص"، المفهوم المفعم باحترام الآخر، والسعي لتبيان اجتهاده الفني، &وابداء التقدسر العالي له، والمقدرة على اظهار كل ذلك &بحرفية وفنية عاليتين.
&&& &جدير بالتنويه، ان قطع "اريكة جو المتفتحة" Joe Bloom، التى صممها المصمم الايطالي "حسين حربة"، تم تنفيذها يدويا، بعناية فائقة، وباستخدام مواد ذات نوعية فاخرة. وانتجت بعدد محدود (24 اريكة فقط)، موزعة ضمن اربع مجموعات، كل مجموعة تتضمن ست ارائك بلون معين، ومرقمة بتسلسل، وموقعة من قبل المصمم الايطالي المعروف. وتم اشهارها للجمهور في 13 اكتوبر 2017 من قبل شركة "بولترونوفا" وبالتعاون مع متحف الفنون في ميلانو &وكذلك غاليري "سوبرانا"
معمار وأكاديمي


الصور:
1- & "اريكة جو المتفتحة"، المصمم حسين حربة 2017، منظر امامي
2- &"اريكة جو"، المصممون "دي باس" و" دياوربينو" و"لوماتسي" 1970، منظر امامي&
3- & & &"اريكة جو المتفتحة"، المصمم حسين حربة 2017، منظر امامي
4- & "اريكة جو المتفتحة"، المصمم حسين حربة 2017، منظر خلفي

&