احتاج المؤرخ مايكل بيشلوس عشر سنوات لإنهاء أحدث كتبه الذي يحمل عنوان "رؤساء الحرب" غطى به مدة قرنين تقريبًا،&وتحديدًا اعتبارًا من عام 1812 وحتى انتهاء حرب فيتنام، وجمع فيه رؤساء أميركيين خاضوا حروبًا خلال هذه الفترة. ويقع الكتاب في 739 صفحة.

إيلاف: يعرض الكاتب صورة شاملة لهؤلاء الرؤساء، ويشرح المشاكل التي اعترضتهم والصراعات التي وجدوا أنفسهم مقحمين
فيها مع الهيئات الحكومية الأخرى، بما في ذلك الكونغرس والسلطة الرابعة ومناهضو الحروب والمنظمات المدنية، كما يتطرق إلى دوافع هؤلاء الرؤساء وميولهم الشخصية ومدى التزامهم باحترام الحريات المدنية ودور شخصياتهم في اتخاذ مثل هذه القرارات الخطيرة التي تتعلق بمستقبل أمة بكاملها.

اعتمد الكاتب في معلوماته وتحليلاته على سجلات تاريخية وعلى رسائل شخصية ويوميات ووثائق رسمية حكومية كانت مصنفة سرية في تلك الفترات.

ماديسون
كانت حرب 1812 قد استمرت حتى بداية 1815، ووقعت بين الولايات المتحدة وبريطانيا في فترة ولاية الرئيس جيمس ماديسون. ويقول الكاتب إنها كانت أضخم حرب شنتها الحكومة الأميركية وفقًا للدستور. ويشير إلى أن ماديسون كان واحدًا من ثلاثة رؤساء فقط زاروا قوات بلادهم في ميدان المعركة. والرئيسان الآخران هما إبراهام لنكولن، ولندن جونسون، الذي قام بزيارة سرية وقصيرة إلى فيتنام.

بولك
ثم يذكر الكاتب الرئيس جيمس بولك الذي شغل البيت الأبيض لفترة ولاية واحدة بين 1845 و1849. وكان من الحزب الديمقراطي، وهو الذي حقق أضخم عملية توسيع لرقعة الولايات المتحدة، عندما خاض الحرب المكسيكية، وتمكن من ضم أراض واسعة، بلغت مساحتها مليون ميل مربع في المنطقة الغربية، ونجح بالتالي بضم تكساس ونيو مكسيكو وأريزونا وكاليفورنيا.&

يلاحظ الكاتب هنا أن بولك نجح عسكريًا، ولكنه "دمّر أمل مؤسسي الولايات المتحدة في عدم اللجوء إلى ممارسات الملوك القدماء الذين يعرضون مبررات كاذبة، بهدف شن حروب، تقف وراءها أسباب سرية مختلفة"، حسب قوله.

من الأمور التي يذكرها بيشلوس أن الشباب المحاربين الذين عادوا من حرب عام 1918 عبّروا عن استيائهم من مغامرة الحرب، واعتبروا أن إرسالهم كان لمصلحة تجار الأسلحة وعائلة مورجان، وهي إحدى الأسر الأميركية بالغة الثراء، وكانت تتحكم بقطاعي المال والمصارف في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

الحربان الضروريتان
يرى الكاتب أن حربين فقط كان خوضهما حتميًا وضروريًا في تاريخ الولايات المتحدة، وهما الحرب الأهلية بين 1861 و1865. وكان الرئيس خلال تلك الفترة هو إبراهام لنكولن، ثم الحرب العالمية الثانية خلال فترة رئاسة فرانكلين روزفلت. ويمتدح الكاتب هذين الرئيسين لأنهما، وحسب رأيه، شرحا بكل وضوح ومن دون مواربة أسباب إرسال شباب البلاد إلى الحرب.&

فيما يلاحظ أن رئيسا مثل وودرو ولسون كان يتصرف بشكل متعال جدًا، وقد رفض إشراك أي جمهوري في الوفد المشارك في مؤتمر السلام، وساهم في وأد خططه الرامية إلى إشراك بلاده في عصبة الأمم، وهي منظمة يرى الكاتب أنها كانت تسعى إلى تحقيق أهداف غير تلك المعلنة، وكانت لها سلطات غامضة لم يفسرها ولسون بشكل مناسب على الإطلاق.&

ينتقد الكاتب أيضًا الرئيس هاري ترومان، الذي لم يقدم أي شرح واف وواضح للشعب الأميركي، رغم مرور أسابيع على إرسال قواته المسلحة إلى كوريا.

مع ذلك يشعر بيشلوس بتعاطف مشوب بخيبة أمل عندما يتحدث عن الرئيس لندن جونسون، الذي كان ينتقد هو نفسه حرب فيتنام ومشاركة بلاده فيها، ولكنه لم يسحب قواته منها. ينقل الكاتب عنه ترديده عددًا من الجمل، ومنها "وما قيمة فيتنام بالنسبة إليّ؟، ما قيمتها بالنسبة إلى هذا البلد؟". لكن الكاتب ينتقده أيضًا، لأنه لم يشرح أسباب خوض حرب فيتنام بشكل واضح للشعب، وكانت المرة الوحيدة التي تحدث فيها عن فيتنام في خطبته المتلفزة التي ألقاها من المكتب البيضوي في مارس من عام 1968، وأعلن فيها أن هذه الحرب هي التي تمنعه من السعي إلى إعادة انتخابه لولاية ثانية.

بالاختصار يجمع كتاب بيشلوس تجارب قرنين من تاريخ الولايات المتحدة، ويظهر كيف انتقلت البلاد من قيود فرضها مؤسسوها على صلاحيات السلطة التنفيذية إلى زمن يملك فيه رؤساء وحدهم القدرة على اتخاذ قرار استخدام أسلحة نووية بإمكانها إفناء البشرية بكاملها تقريبًا.

هنا يشير الكاتب إلى أن المرة الأخيرة التي طلب فيها رئيس من الكونغرس الموافقة على إعلان حرب كانت غداة هجوم بيرل هاربر قبل ثمانين عامًا، ثم يذكّر بما كتبه لنكولن في عام 1848 بأن مؤسسي الولايات المتحدة قرروا "أنه يجب عدم حصر السلطة بيد رجل واحد" قد يجر بلده إلى حروب مدمرة. ثم يلاحظ الكاتب أن العديد من الرؤساء خرجوا عن هذه التوصية، وهو ما قد يحز في نفس المؤسسين لو عرفوا به.&

لكن بيشلوس يذهب أبعد من ذلك، إذ رأى أنهم سيصابون بصدمة هائلة لو علموا بأن رؤساء اليوم "يملكون بيدهم خيار شن حرب لا يمكن إدراك مدى ضخامتها، ومن شأنها أن تقتل مئات الملايين من البشر في أقل من ساعة واحدة، وهي تعتمد حاليًا على مزاج رئيس"، حسب قول الكاتب.

يذكر أن بيشلوس المعروف بأنه مؤرخ رئاسي أصدر تسعة كتب حتى الآن، وتتعلق كلها برؤساء أميركيين، منها "الشجاعة
الرئاسية".

&

أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "وول ستريت جورنال". المادة الأصل على الرابط

https://www.wsj.com/articles/presidents-of-war-review-commanders-in-chief-1538741679

&&