كان ضحا مشمس وكنا فى أجازة نصف العام نلعب جميعا الاولاد والبنات فى باحة البيت الواسعة،وعندما حضرت السيدة العجوز ودخلت من البوابة لاحظت هرولة بعض البنات واختفائهن فى الغرف الداخلية. احتفى النساء بالوافدة ويبدو أن الزيارة كانت مرتبة،جاءت عمتى وسحبتنى الى ركن من الباحة وأعطتنى ورقة من فئة عشرة قروش وغلاف فارغ عليه شعار لشفرة حلاقة كانت أيامها ذائعة الصيت،ومالت الى مستوى أذنى هامسة بتفاصيل المهمة العاجلة على أن أحضر علبة شفرات حلاقة من النوع الذى أعطتنى غلافه الفارغ بالذات وفى أسرع وقت وفى سرية تامة، ولم تنس عمتى الاشارة الى أنه سيتبقى قرش من القروش العشرة هو مكافأة سرعة انجاز المهمة. السيدة العجوز كانت فى أواسط الستينات تقريبا على وجهها مسحة جمال قديمة باسمة باستمرار كاشفة عن أسنان بعضها من الفضة اللامعة ويتدلى على جانب جبهتها من تحت منديلها المعقود خصلة شعر مصبوغة بالحناء ودائما هى كحيلة العينين. بحافز القرش عدوت الى الدكان وكان فى أقصى غرب القرية وأحضرت المطلوب وانفقت نصف القرش وعدت كما ذهبت عدوا ووجدت عمتى فى انتظارى، مدت يدها قبل أن أصل اليها وخطفت علبة الشفرات وأسرعت الى الداخل شبه مهرولة. لم أجد رغبة فى استئناف اللعب مع بقية الاولاد ولم استطع الربط بين الاحداث وماعلاقة حضور السيدة العجوز مع المهمة العاجلة التى قمت بها الآن واختفاء البنات وبعض الترتيبات الغريبة مع عدم وجود رجال فى البيت فكلهم خرجوا للعمل منذ الصباح الباكرمع شبه احتفال باهت وابتسامات خجولة ونظرات مترقبة وتحركات مضطربة. كنت ارى السيدة العجوز دائما فى افراح القرية فى مشهد واحد تلوح بيدها اليمنى بقطعة قماش بيضاء ملطخة بلون احمر غامق وبجوارها والد العروس تتلقى هى قطع النقد وأوراقه فى منديل بيدها اليسرى ويتلقى هو التهانى من المدعوين. مر بعض الوقت بعد أن اختفت عمتى فى الغرف الداخلية، وبدا أننى أسمع صرخات مكتومة اقتربت وأصخت السمع وتبينت لمن هذه الصرخات لكن الاسباب ظلت مبهمة وغائمة فى عقلى الصغير، لكنى أيقنت أن السيدة العجوز وعلبة شفرات الحلاقة التى أحضرتها هم صناع المشهد الحادث الآن فقد خرجت السيدة العجوز مبتسمة تفوح منها رائحة نفاذة كتلك التى نشتمها فى طرقات المستشفيات،واتجهت مباشرة حيث تجلس جدتى التى كانت قابضة بيدها على مايبدو انه ورقة نقد كبيرة وأظنها فئة الجنيه فقد لمحت لونها الأخضر وجزء من صورة الملك ثم دسته فى صدر الحاجة عيشة التى تمنعت بحذر عن قبوله مجاملة مع عبارات التمنى الروتينية بطول العمر الجدة حتى ترى نسلهن. من هنا أيقنت أن ماحدث هو للفتاتين الكبيرتين فى الاسرة بنت عمتى وبنت عمها،لكن ماذا حدث لم أكن أعرف عدا مبهمات يتهامس به الفتيان الاكبر سنا ولم أكن أجرؤ بالطبع على السؤال. لااتذكر الان ماذا اشتريت بنصف القرش لكن ما أتذكره أن البنات خرجن بعد أسبوع شاحبات مع مسحة خجل على وجوههن،تحسست نصف القرش الباقى فى جيبى وطالنى احساس أنه ثمن جريمة أخرجته وطوحت به قدر مااستطعت.
&