على امتداد القرن العشرين كانت أرواح مئات الملايين تحت هيمنة حكام مستبدين، والأكثر من ذلك تحت هيمنة كتبهم أيضًا التي كانوا أحيانًا ينتجونها بغزارة استثنائية.

إيلاف: تعتبر قراءة الكتب شيئًا جيدًا على العموم، لكن دانيال كالدر يسوق في كتابه "أدب الديكتاتور: تاريخ طغاة من خلال مؤلفاتهم" Dictator Literature: A History of Despots Through Their Writing، أدلة على أنها في أحيان كثيرة ليست شيئًا جيدًا، بل على العكس، فإن "الكتب يمكن أن تسبب ضررًا فادحًا". 

يبدأ كالدر بأكثر الزعماء غزارة في إنتاج الكتب، وهو فلاديمير لينين، الذي جُمعت أعماله الكاملة في 55 جزءًا مع 3700 وثيقة في أرشيفات مختلفة. 

كان لينين ذكيًا، قراءاته واسعة بلا شك، مثل العديد من الزعماء الذين حكموا بقبضة حديدية. بحلول عام 1895، كان لينين في الخامسة والعشرين حين نُفي إلى سيبريا بسبب كتاباته الثورية. وفي المنفى، كان أصدقاؤه يرسلون إليه المواد التي يحتاجها لإنتاج ما يسميه كالدر "أول كتاب مهم أصدره أبو الأدب الديكتاتوري في القرن العشرين".

صنع الحقيقة
في 500 صفحة، جادل لينين في "تطور الرأسمالية في روسيا" قائلًا إن البلد صناعي الآن، وليس زراعيًا، وبالتالي هو جاهز لسلطة بروليتاريا المدن. في الحقيقة، كان في روسيا وقتذاك أكثر من 100 مليون فلاح من أصل 128 مليون نسمة، هو عدد سكان روسيا. لكن الفكرة التي أرساها الكتاب وأثبتت تأثيرها في أدب الديكتاتور اللاحق هي أنه بالإمكان صنع الحقيقة من شيء بمجرد قوله. أو على الأقل، هذا ما يمكن عمله، إلى أن تظهر حقيقة جديدة.

في عام 1926، بعد عامين على وفاة لينين، لم تمتد الثورة البروليتارية إلى باقي أنحاء العالم كما توقع. فهل كان لينين مخطئًا في موضوعته الرئيسة بأن الاشتراكية أممية؟. جاء الرد من ستالين الذي نظر إلى عمل لينين، واكتشف أنه لم يقل ذلك. فُتح الطريق الآن أمام كتابات ستالين ليطلع بنظرية بناء الاشتراكية في بلد واحد.

كان ستالين يعيد كتابة تاريخه أيضًا. ففي عام 1901، دعا قيصر روسيا إلى إبداء شيء من الرحمة مع "الرازحين تحت النير"، من أطباء وبولنديين وبورجوازيين ويهود "مضطهدين أبد الدهر"، وهي الجماعات والشرائح نفسها التي يقول كالدر في كتابه إن ستالين اضطهدها حين تسلم مقاليد السلطة. 

في تطور مهم آخر في أدب الدكتاتور، لم يكتف ستالين بطبع نحو 43 مليون نسخة من كتابه "الطريق القصير"، بل شجع الجماهير على دراسته مثلما أصبح كتاب هتلر "كفاحي" جزءًا من المنهج في المدارس الألمانية. 

لا يحل المشكلة
مضت العملية شوطًا أبعد مع الرئيس ماو في الصين. فالكتاب الأحمر الصغير لأقوال "الربان العظيم"، الذي ما زال أكثر الكتب مبيعًا بعد الكتاب المقدس، كان يُقرأ في المعامل كما تُقرأ النصوص المقدسة في الأديرة. ونُسب إلى الكتاب تحسين مهارات لاعب كرة الطاولة وعلاج السرطان. 

بعد سقوط جدار برلين وإقبال الصين على اقتصاد السوق، انتقل الكاتب إلى حكام ديكتاتوريين أحدث عهدًا، بينهم آية الله الخميني في إيران، وأبناء كيم في كوريا الشمالية، والراحل معمّر القذافي في ليبيا، الذي يتضمن كتابه الأخضر قسمًا عن الاختلافات بين الرجل والمرأة، منها الدرة الآتية: "إن النساء إناث والرجال ذكور"! وإن "المرأة تحيض كل شهر، والرجل لا يحيض". 

يلاحظ كالدر في كتابه أن جان بول سارتر كان يبيع جرائد ماوية في شوارع باريس، وميشال فوكو كان معجبًا بماو والخميني في آن واحد: "إن الأشخاص الأذكياء بصورة استثنائية وحدهم قادرون على أن يكونوا بهذا الغباء". 

كتاب "أدب الديكتاتور" لا يحل دائمًا المشكلة المتمثلة في تأليف كتاب شيق مادته مئات الكتب المملة، بما في ذلك نقاشه المسهب لكتابات رئيس تركمانستان الحالي قربان قلي بردي محمدوف. ولكنه يأتي تذكيرًا بما شهده القرن العشرون من أنظمة استبدادية وإلى أي مدى يمكن أن يصبح البشر حبيسي أوهامهم، وخاصة إذا كانوا متعلمين. 

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "تلغراف". الأصل منشور على الرابط:
https://www.telegraph.co.uk/books/non-fiction/dictator-literature-daniel-kalder-review-do-despots-write/