يحظى حاكم دبي بإعجاب كبير على مستوى عربي وعالمي نظرًا إلى التقدم الهائل الذي أضفاه على إمارته. إلا أن كتابًا صدر أضاء على جوانب أخرى في شخصيته، كالأدب، محللًا المعمار الفني في أشعاره.

إيلاف: "المعمار الفني في أشعار الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم" عنوان كتاب صادر حديثًا للناقد غسان الحسن، وذلك من أكاديمية الشعر في لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي. 

قال الحسن في مقدمته إنه ذهب إلى تناول جانب محدّد من جوانب النتاج الشعري للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وهو جانب المعمار الفني، الذي يرتكز في الأساس إلى ركنين رئيسين هما: الوزن والقافية، اللذان يشكلان اللحن والإيقاع، علاوة على البناء الفني.

قصائد الألغاز
أشار المؤلف إلى أنه استقصى الأوزان التي بنى عليها الشاعر قصائده، واستقرأ أساليب الشاعر في التقفية وزخارف الإيقاعات. أما البناء الفني فقد احتلّ جزءًا من الدراسة، بيّن أساليب الشاعر في بناء قصائده وتركيبها ونسيجها الفني، وما ابتدعه الشاعر من هذه الأبنية، وخاصة ذلك البناء الفني لقصائد الألغاز وحلولها، التي ابتكرها الشاعر الشيخ، وظلت مقصورة عليه دون غيره حتى الآن. 

يتمحور الكتاب في مجمله حول ثلاثة أبواب أساسية هي: "الأوزان والموسيقى"، "القوافي والإيقاعات"، "الشكل الفني". وتناول المؤلف في الباب الأول الذي شمل نصف الكتاب 25 وزنًا عروضيًّا نبطيًّا قامت عليها قصائد الشاعر الشيخ، منها المعروف باسمه لدى الشعراء النبطيين مثل: الهجيني، الصخري، العازي، التغرودة، الهلالي. ومنها ما أورد المؤلف تفعيلاته من دون اسمه، إشارة إلى الثراء الإيقاعي الذي أسهم مبدعو الشعر النبطي في تجديده وتنويعه. وذكر المؤلف أن الأوزان الـ"25" قامت على خمس تفعيلات على الوجه الآتي:

تفعيلة "مفاعيلن"، بنى عليها الشاعر 4 أوزان.
تفعيلة "فعولن"، بنى عليها الشاعر وزنين.
تفعيلة "مستفعلن"، بنى عليها الشاعر 11 وزنًا.
تفعيلة "فاعلاتن"، بنى عليها الشاعر 5 أوزان.
تفعيلة "فاعلن"، بنى عليها الشاعر 3 أوزان.

قدّم المؤلف شروحًا إيقاعية ضافية ومتشعّبة حول كل وزن تطبيقًا على المتن الشعري للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. وذكر أن بعض الأوزان التي اختارها الشاعر مناظرة لمثيلات لها في عروض شعر الفصحى مثل: الهلالي/ الطويل، الونّة/ المجتث، الحدا/ الرجز. وبعضها ينتمي إلى موسيقى الشعر النبطي، وهو نتاج اجتهادات الشعراء النبطيين. 

فنون التقفية
ونبّه المؤلف إلى أن الشاعر الشيخ استخدم خمسة أوزان شعرية نبطية خاصة بالإمارات، وهي: وزن الونّة، وزن الردح، وزن الردح الواقف، وزن العازي، وزن التغرودة. 

أما الباب الثاني "القوافي والإيقاعات" فقسّمه المؤلف إلى قسمين، القسم الأول تناول فيه "أنماط التقفية في القصائد المثنية"، وهي القصائد المكوّنة من شطرين متساويين في المقدار الموسيقي، وبتكرارها تتكون القصيدة. وقد ورد هذا الضرب من الأبيات بصيغتين: صيغة "القصيدة المضمومة"، وصيغة "القصيدة المهملة أو المطلقة". 

ضرب المؤلف أمثلة على ذلك من المتن الشعري للشيخ. ثم انتقل إلى "فنون التقفية" فأطنب فيها شرحًا وتطبيقًا لتِبيان جماليات التقفية وزخارفها، وهي: "توأمة القوافي"، تناغم القوافي"، "تسبيغ القوافي"، أصداء القوافي". 

الهيكل الفني
في القسم الثاني تناول المؤلف "الإيقاعات"، أي الأساليب التي يزيّن بها الشاعر جملته الشعرية، بكلمات تتشابه في حروفها أو نهاياتها، من دون أن تكون القافية جزءًا منها. في هذا السياق درس المؤلف من خلال شعر الشيخ محمد بن راشد "إيقاع الحروف المتكرر"، "إيقاع الإشتقاق"، "إيقاع التماثل"، "إيقاع المجانسة"، "إيقاع التقسيم"، "الإيقاع الصرفي"، و"إيقاع التناظر".

كما تناول المؤلف في الباب الثالث من الكتاب "الشكل الفني"، وبدأه بـ"الهيكل الفني" قائلًا: (أقام الشاعر الشيخ قصائده على الهيكل التقليدي للقصيدة العربية، الذي يتكوّن أساسًا من عدد من الأبيات المتشابهة في مقاديرها الموسيقية، وفي انتهائها بقافية وروي واحد، وفي انقسام كل منها إلى شطرين، أو أشطر عدة تتساوى في مقادريها الصوتية غالبًا). 

ثمّ عدّد الهياكل الفنية، وضرب أمثلة عديدة لها من شعر الشيخ على الوجه الآتي: "القصيدة المثنيّة"، "القصيدة المثلّلة/ المثلوثة"، "القصيدة المربّعة/ المربوعة"، "القصيدة المخمّسة/ المخموسة"، "القصيدة المسبّعة/ المسبوعة"، "القصيدة التساعية"، "نمط التغرودة". 

... والبناء
انتهى المؤلف إلى البناء الفني قائلًا: (وإذا خصّصنا القول في قصائد الشاعر الشيخ محمد بن راشد فإننا سنجده قد تحلل من عامود القصيدة التقليدي الموضوعي، واستغنى عن النمطية الموروثة في تسلسل موضوعاتها، واتخذ لنفسه فيي ذلك منهجًا حرًّا، يتبلور في الذهن ملائمًا لما يريد أن يقوله في القصيدة). ثم ضرب أمثلة من النمط التقليدي لدى الشاعر، وأمثلة واسعة من الأبنية الفنية المُستحدثة التي تجلّت في عدد كبير من الأعمال الشعرية، وهي:

"ملحمة الإمارات"، و"مشهدية أحلام شعب"، "كاس دبي العالمية"، "على مشارف التفعيلة"، "الألغاز الشعرية". وقد أفرد المؤلف مساحة واسعة لتبيان جماليات هذه الأبنية وعناصر التجديد فيها. يذكر أن الكتاب جاء في حجم من القطع الكبير، وبلغ عدد صفحاته 364 صفحة.