مدير مكتب التحقيقات الفدرالي السابق يفشي أسرارًا عن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ويصف نفسه بأنّه صاحب مبادئ سامية وهو مستعدّ لنشر فضائحه الخاصة.

إيلاف: جيمس كومي، "زرافة إف بي آي"، كما يسمّي نفسه، بسبب طوله، الذي يبلغ 6.8 أقدام. صنع طريقه المهني من خلال قدرته على مشاهدة ما عجز عن رؤيته رجال أقل منه طولًا، مركّزًا عينيه على المثل العليا القانونية المتمثلة في النزاهة واللياقة.

ترمب ذلّ كومي عندما أجلسه على كرسي بحجم كرسي الأطفال

في كتابه "ولاء أكبر: الحقيقة والأكاذيب والقيادة" A Higher Loyalty: Truth, Lies and Leadership (منشورات ماكميلان؛ 20 جنيهًا إسترلينيًا)، الذي ألّفه قبل طرده من مكتب التحقيقات الفيدرالي، ينظر بين الفينة والفينة من نافذة مكتبه في جادة بنسلفانيا، فيرى الفندق الفخم الذي افتتحه ترمب على بعد بضعة مبانٍ من البيت الأبيض، ويتأمل في نصب واشنطن البعيد، وهو عبارة عن سهم رخامي موجّه نحو السماء. وكأنّ كومي يشعر بالانجذاب إلى ذاك النصب العمودي الطموح.

طويل القامة
طوله يجعله غريبًا بالنسبة إلى العالم الأصغر حجمًا، الذي يحتله باقي الناس، وتزخر ذاكرته بحوادث خرقاء خطرة جسديًا. في إحدى المرّات، كان يرتدي حذاءًا بنعل جديد يجعله أطول بمقدار نصف بوصة، فأخطأ في تقدير مدى احتياجه إلى الإنحناء، وضرب رأسه بعتبة الباب في أثناء دخوله إلى اجتماع سرّي في البيت الأبيض، فأمضى اللقاء مع جورج دبليو بوش، وهو يحاول مسح قطرات الدم المتساقطة من جمجمته. وعندما عانقته لوريتا لينش الصغيرة القامة، وهي النائب العام التي عيّنها أوباما، شعر برأسها يضرب سرّة بطنه.

أما ترمب الذي تمّ تنصيبه بعظمة خلف "حاجز خشبي كبير"، فقد أذلّ كومي عندما أجلسه على كرسي بحجم كرسي الأطفال، برزت منه ركبتاه الضعيفتان لتلامسا المكتب الرئاسي. 

استخدم كومي طوله بشكل دفاعي في حفل استقبال في البيت الأبيض عندما حاول ترمب بعناق أن يغريه للتواطؤ معه، وهو فعل تواطؤ غير مرغوب فيه وغير مناسب بين فرعين من الحكومة يجب أن يبقيا منفصلين.

في شريط فيديو للحادثة، يمكنك أن ترى كومي حذرًا يمدّ يده للمصافحة، ويستدير مترددًا، لكنّ هذه المناورة الرشيقة تفشل قليلًا عندما يمسك ترمب به ويشدّه نحو الأسفل، كأنه زعيم مافيا يتأهّل بأحد أتباعه الأوفياء، ويمنحه قبلة على ما يبدو. في اجتماعهما الأول، كان على كومي أن يطلع ترمب على ملف ستيل، الذي لم يكن قد تمّ التحقق منه بعد، وقصة مومسات موسكو والدُش الذهبي المزعوم. 

والجدير بالذكر أن كومي يصف هذه المناسبة بأنها "تجربة الخروج من الجسد"، وعلى الأرجح فهذا الرجل الذكي العقلاني يفضّل الانفصال عن جسده – فكرة تجريدية تتمثّل بما تسميها القاضي جودي "آلة الحقيقة".

مبادئ غير مرنة
شخصية كومي، باستقامتها المتينة، انعكاس لقامته الممشوقة. بعد إرساله إلى غرفته في سن السابعة بسبب مخالفة ما، كتب ملاحظة اعتذار إلى أمه، تعهّد فيها: "سأكون رجلًا عظيمًا في يوم من الأيام". مدركًا لسمعته الرصينة، يلفت النظر إلى صفاته البشرية من طريق أخبار الحوادث الصادمة التي جعلته يتعاطف مع ضحايا الجريمة.

تعرّض للتنمّر والتخويف في المدرسة، وفي المنزل قام لصّ مسلّح مرّة باحتجازه رهينة؛ كما إنّه فقد وزوجته ابنًا حديث الولادة بسبب مرض كان من الممكن تجنّبه. يقدر الفكاهة لأنها تنطوي على اعتراف بالضعف. ويقول إن ترمب غير قادر على الضحك ويفضل أن يستهزئ بغيره، في حين يمتلك روبرت مولر، المحامي الخاص المكلف بالكشف عن مخالفات الرئاسة، "تكشيرة تبدو كأنّها ابتسامة".

على الرغم من هذه التنازلات للضعف البشري، فإن مبادئ كومي غير مرنة مثل أطرافه الممدودة. وهو يقوم دائمًا باقتراح نظريات حول ما يتطلبه الأمر ليصبح قائدًا، ودائمًا ما تستهدف تصريحاته غير المباشرة ترمب، الذي يشبه رؤساء كوسانوسترا المسجونين على يد كومي عندما كان في منصب المدعي العام في نيويورك. ويعتبر أن ترمب سفاح جاهل تصيبه نوبات الغضب والتبجح تعويضًا عن الإزعاج الذي يتسبّبه عدم الأمان العاطفي لديه. 

يشير كومي إلى أن ترمب يتشبث بشكل لا يمكن إيقافه وبصورة غير مترابطة، بافتراض أن صمت جمهوره الخائف يدل على الموافقة. وكذبه المستمر يضعه داخل "شرنقة واقع بديل" مغلقة بإحكام.

جيم من العدالة
على الرغم من أن كومي لم يذكر ذلك في كتابه، إلا أنه كتب في الكلية أطروحة حول اللاهوتي الوجودي رينهولد نيبور، الذي اعتقد أن المسيحيين يجب أن "يدخلوا في المجال السياسي" لمكافحة الآثام.

على تويتر، حيث نشر كومي صور المناظر الطبيعية التي تؤكد إيمانه بالنظام الطبيعي، استخدم اسم نيبور اسمًا مستعارًا له، وهي كنية أرقى من "جون بارون"، أي الهوية التي تبنّاها ترمب في عام 1980، حيث أجرى اتصالًا مع كتّاب أعمدة النميمة في الصحف ليعطيهم تحديثات عن مآثره الجنسية.

فهم نيبور، الذي تحدّى هتلر، ضرورة الانخراط السياسي وخطورته. في الواقع، كان كومي يقاوم جهود ترمب لرشوته، واعتقد بسذاجة أنه يمكن إنفاذ القانون من دون تحيّز حزبي. لكن، كيف يمكنك محاسبة رجل غير قادر على الشعور بالذنب أو العار، رجل تفاخر في عام 2016 بأنه قد يطلق النار على شخص ما في الجادة الخامسة من دون أن يخسر الأصوات؟. كان على كومي أن يعمل في مجتمع لم يعد فيه "الردع الإلهي" يملك السلطة؛ حتى الخوف من السجن يمكن تبديده بعفو، كما أشار ترمب قبل أسبوع من خلال إعفاء سكوتر ليبي، الذي حاكمه كومي لأنّه كذب على المحققين. 

عندما كان يعمل في وزارة العدل مساعدًا للمدعي العام، قدم كومي نفسه في بعض الأحيان بشكل مجازي في التجمعات الاجتماعية باسم "جيم من العدالة". وهو معجب برمز العدالة العمياء، غير المتحيّزة، فوق مبنى أولد بيلي، ومع ذلك فإن تجربته تثبت أن شخصًا معصوب العينين من المحتمل أن يتعثر في الكارثة. 

فكرة جعلته يشمئزّ
عندما أعاد "كومي" فتح تحقيق "إف بي آي" حول رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهيلاري كلينتون قبل الانتخابات بوقت قصير، افترض أنها ستفوز، وأراد أن يضمن ألا يبدو فوزها غير شرعي. في الوقت نفسه، اختار بشكل غير متوقع أن يلتزم الصمت حيال المتدخلين الروس الذين كانوا يساعدون حملة ترمب. 

ألقت كلينتون اللوم على كومي، واتّهمته بالتخريب. ابتهج ترمب أولًا لهذا الدعم غير المقصود الذي تلقّاه، ثم طرد "كومي" على أي حال - بحجّة أنه رفض مقاضاة كلينتون، في الواقع للتحقيق بعلاقاته مع روسيا. خسرت كلينتون، وخسر كومي، وكذلك بلدهما، الذي يندفع الآن نحو أزمة دستورية، مع حكومة تتم إدارتها مثل عصابة.

عندما سئل في جلسة استماع في مجلس الشيوخ عن احتمال أن تكون قراراته مسؤولة عن هذه الفوضى، اعترف بأن الفكرة جعلته "يشمئزّ". قالت له ابنته في ما بعد إنّه كان ينبغي أن يستخدم "يشعر بالغثيان". لست متأكدًا أنها كانت على حق. إذا كنت مصابًا بالغثيان فإنك تتقيّأ، وأميركا لم تقم بعد بتقيّؤ ترمب ودفعه بعيدًا.

أما الشعور بالاشمئزاز فحال مغثية بدرجة أقل، تتركك مريضًا في معدتك، وربما أيضًا تعيسًا من الداخل. ينتهي كتاب "كومي" بالأمل في أن يؤدي "حريق الغابات" المؤسسي الحالي إلى "تحفيز النمو" و"الحياة الجديدة" عندما تجدد أميركا نفسها، كما تفعل عادة. في هذه الأثناء، أعتقد أنه يستحق أن يعاني من تلك المشاعر في أمعائه لفترة أطول.


أعدّت إيلاف هذا التقرير عن "غارديان". الأصل منشور على الرابط:
​https://www.theguardian.com/books/2018/apr/22/a-higher-loyalty-truth-lies-and-leadership-by-james-comey-book-review​