أولئك الذين روّجوا للعولمة وعدوا بعالم منتصرين فقط، لكن السنوات الأخيرة مزّقت هذه "الفانتازيا"، فتوجّه الخاسرون إلى الشعبويين والسياسيين القوميين للتعبير عن غضب من النخب السياسية ووسائل الإعلام والشركات الكبرى، وهي الجهات التي يعتبرونها مسؤولة عن الخسائر التي لحقت بهم.

إيلاف: هذا ما يتعلق بدول الغرب على العموم. لكن الخبير السياسي أيان بريمر يحذر من نتائج فشل العولمة في دول أخرى أيضًا، مثل الهند والمكسيك ومصر وتركيا وغيرها.

اسم الكتاب "نحن في مواجهة هم: فشل العولمة"، ويشرح فيه الكاتب نتائج إهمال آمال المواطنين الذين يبحثون عن الأمان والازدهار، وهو ما لا تستطيع الحكومات توفيره لهم، ما يعني أن تعمل هذه الحكومات بالنتيجة على إنشاء جدران رقمية أو حقيقية لحماية نفسها من غضب الجموع.

يختلف معنى "هم"، حسب قول الكاتب، وفقًا للبلد وظروفه، فهي قد تعني الأغنياء جدًا أو الفقراء جدًا. وقد تعني الأجانب أو الأقليات أو سياسيي المؤسسات أو أصحاب البنوك أو الصحافيين أو ربما أيضًا أعضاء حزب سياسي آخر. 

الغرب
في ما يتعلق بالغرب، سقط جدار برلين قبل ثلاثة عقود تقريبًا، ولكن هذه العقود الثلاثة شهدت قيام جدران أخرى على حدود أوروبا بشكل غير مسبوق حتى خلال فترة الحرب الباردة. إلا أن الكاتب يشير إلى أن هذا التوجّه ليس أوروبيًا فقط، ويعدد أربعين بلدًا تقريبًا في العالم بنوا حواجز تفصلهم عن ستين بلد آخر.

حتى مسألة "بريكست" البريطانية قامت على حدود، حسب رأي الكاتب، الذي يذكرنا بتساؤل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد انتخابه، عندما قال: "على ماذا يقوم بريكست؟ على عمال من أوروبا الشرقية وفدوا للعمل في بريطانيا". ويضيف الكاتب إلى ذلك موقف ناخبين بريطانيين ما عادوا يقبلون بقوانين وضوابط يضعها غيرهم.

العولمة
عرفت العولمة بأنها جواز مرور البضائع والخدمات والأشخاص والأموال من بلد الى آخر من دون توقف عند حدود. ويشرح الكاتب تفاصيل عديدة تظهر مزايا هذه العولمة في مختلف الدول على صعيد التعليم والرعاية الصحية والتكنولوجيا والنمو الاقتصادي والإنتاجية... إلى ما غير ذلك. لكنه ينبّه أيضًا إلى مشاكل سببتها بسبب حرية الحركة والتنقل على مستويات عدة، منها المادية وغير المادية، حتى أصبح العمّال في كل مكان يخافون على أعمالهم ورواتبهم، ويشعرون بأن وجود الآخرين يهدد وجودهم وأمنهم الشخصيين. وهم يخافون أيضًا من عدم قدرة حكوماتهم على حمايتهم من هذه المخاطر ومن اُخرى محتملة.

بسبب هذه المخاوف ظهرت الشعبوية، التي يرى الكاتب أنها لا تزال تنتشر، ليس في الغرب وحده، بل في دول أخرى بعيدة كل البعد عن النطاق الأوروبي والأميركي، حيث تبددت أحلام الشباب بمستقبل آمن وزاهر، وحيث يشعر الناس بضغوط على ثقافتهم الموروثة، ولا يثقون بما يقرأون، ويعتبرون المستقبل، مثل معركة بينهم وآخرين، أولئك الذين يصنفونهم بـ "هم".

ويتساءل الكاتب "أين سيتوجّه شباب دول مثل الهند وتركيا ومصر والبرازيل وغيرها ممن يملكون الطموح والطاقات الكافية لتحويلهم إلى مصدر كسب اقتصادي عندما تغلق الأبواب أمامهم، فلا يستطيعون مغادرة طبقة الفقراء ولا تحقيق أحلام بالتقدم وبالرفاه؟".

للإجابة، يعتقد الكاتب أن شعبويين آخرين سيظهرون في هذه البلدان، وسيقودون الجموع، وهو ما قد يحوّلها إلى خطر سياسي سيستدعي بالنتيجة أن يطالب البعض بحمايته من "هم".