جنون العظمة هو عُصاب نفسيّ يتميَّز بتضخُّم الإحساس بالذات والإحساس الوهمي بالتفوّق. وهذا المرض شبيه بالبارانويا أو الذهان الهذائي الذي يعود سببه إلى زيادة مادة "الدوبامين" في الخلية.
يظنُّ مريض العظمة بأنه بالغ الأهمية وبأنه أحد أنبياء العصر الحديث، لذلك فإنَّ كلّ ما يصادفه هو شيء مقصود وممنهج بغية استهداف شخصه العظيم.
فإن حصل ومرضَ مرضاً عادياً، فهذا لأن أحدهم قام بتسميم طعامه، لكنه لم يمت لأن "الحكمة السماوية" قد تدخَّلت لإنقاذه.
ويعاني مريض جنون العظمة من الارتياب، لذلك تشعر بأنه ينصرف وكأنه مطارد من قبل أحدهم. وإن عانى من صداع عابر، فذلك سببه "ساحر" يريد به السوء، أو أن قمراً صناعياً يتابع مسيره ويرسل الإشعاعات لأذيَّته. لماذا؟ لأنه يحمل في رأسه أسراراً عن أشخاص خطرين.
الأمر الأسوأ يحدث عندما يقرّر الكتابة، فهو ولا شك شكسبير! الملكة النقدية غائبة تماماً لديه.
وعلى الرغم من التماثل الواضح ما بين الأمراض النفسية والعقلية، إلا أن ثمة ميزة تفصل ما بين العصاب والذهان ألا وهي أن العصابي يشعر بعلته ويحاول إخفاءها عن الآخرين والتستر عليها كما يتستر الإنسان المتعرّي على عورته. وإن حصل وامتلك شجاعة المواجهة، فسيقوم بزيارة الطبيب النفسي، وهذا ما هو غير متوفر للذهانيّ الذي لا يعرف بأنه مريض ولا يصدّق ذلك أصلاً، وبالتالي فإن القرار في شفائه خارج إرادته.
شيء آخر يجدر بنا قوله هنا، وهو أنه -وفي كثير من الأمراض- ما يطفح من كاس العصاب يبدأ بملء كأس الذهان، وبالتالي يكون الأول مختلفاً عن الثاني بحسب الشدة والقوة والتواتر، ليس إلا.
وثمَّة مثال آخر عن هذه المقاربة ما بين العصاب والذهان وهو مرض التقلّب الدوري الانفعالي (النفسي)، ونسخته العقلية المرادفة هي مرض الهوس الاكتئابي، حيث يتميَّز كلا المرضين بنمطين متناقضين من السلوك فتبدأ هذه الحالة الغريبة بسيل كبير من الألفاظ والتحدُّث لساعات طويلة دون كلل أو تعب، مع طلاقة واسترسال وإيماء وأحياناً المشي أثناء الحديث، وتنتهي هذه الحالة بالانهيار التام والصمت والكآبة لمدّة أيام. وميزة هذا النوع من الأمراض أنه يصيب النساء بمعدَّل يفوق إصابته للرجال.

باحث سوري في علم النفس التحليلي.