على مدى اربعة ايام ، عرضت على خشبة المسرح الوطني ييغداد مسرحية (سبايا بغداد) تأليف اخراج &الفنانة عواطف نعيم،لصالح محترف بغداد المسرحي بالتعاون مع دائرة السينما والمسرح،اشراف الفنان عزيز خيون وتمثيل الفنانات : سمر محمد ،سوسن شكري،شيماء جعفر ،بيداء رشيد ،ريتا كاسبر وايمان عبد الحسن،عرض يتناول حكايات ست نساء تعرضن للسبي،وهو او عمل مسرحي نسوي بالكامل من حيث التأليف والاخراج والتمثيل، وهو الاكثر جرأة في مناقشة موضوع يصب في صُلب قضايا المرأة وما واجهته من قسوة&
يبدأ العرض المسرحي بموسيقى واضواء خافقة ثم صوت شجي يغني لحنا عراقيا قديما مع تبديل في كلماته (صوت الفنان عزيز خيون) : (امنين اجانه الخوف ويمه الخوف ويابه اشدلاه علينا، مثل الفخاتي نطير ،وكنا نطير ،حلوين، اشسويتو بينا) ، ثم تدخل المسرح امرأة / الام (الفنانة سمر محمد) وهي خائفة وتصرخ ومن ثم تخرج من حقيبتها ملابس اطفال صغار لحفيدتها تقول (اين اخذوك مني) وتتحدث معها باللهجة الموصلية عن فقدانهم ،وسرعان ما تدخل فتاة شابة هاربة من قبضة داعش (الفنانة سوسن شكري) وهي في حالة يرثى لها وتحمل بين يديها (طفلها الميت) الذي هو نتاج الدواعش، فيما تدخل الثالثة الهاربة ايضا وهي في حالة هستيرية فيغمى عليها وحين تفيق تمسك بالمرأة الكبيرة فتناديها (امي) وتعتبها لانها تركتها ، لكن تؤكد لها انها ليست امها ،وان (في المحنة تتشابه وجود الامهات،فالدمع واحد والقلب المفجوع واحد)،لكن فيما بعد ادور بين الفتاتين معركة حيث تعتبر الثالثة ان الطفل المولود &من اب (داعشي) هو عار ،ويتم الاعلام عن انهن ضحايا داعش اللواتي عانين من قذارة اجسادهم ونتنها ودبقها في ارحامهن وبين جلودهن ، ثن تدخل شابة ترتدي ملابس العروسة البيض الملطخة بالدماء لكنها لا تستطيع ان تتكلم لان الدواعش قطعوا لسانها فتكتب على اوراق ما تريد قوله، وحين تتصاعد الاحداث بالكثير من المواقف والحكايات المدججة بالاوجاع والخوف والقرف والانتهاك لانوثتهن في ظل وجودهن سبايا هناك ، ومن ثم تدخل فتاتان احداهن (منقبة) وهي تمثل (العضاضة) ضمن تنظيم داعش (الفنانة ايمان عبد الحسن) وهي تحمل بندقية ومعها فتاة حامل (بيداء رشيد) ،تحدث مشاجرات بينهن بعد ان يتعرفن عليها فتؤكد انها حمت الكثير منهن وانها تطلب منهن مغادرة المكان لانها ستبقى هنا للتصدي للدواعش وتأخيرهم في الحصول عليهن ، ينزعن الملابس السود وذهبن لكن الام الكبيرة تعود لتقف مع (العضاضة) في تصديها للدواعش، ومن ثم تسحب الفنانة (ريتا) قماشة حمراء من وسط قاعة المسرح حتى وسط الخشبة !!وتنتهي بصوت الفنان عواطف نعيم وهي تقول (توقف ايها القلب عن ارتجافك وتماسكي ايتها الجوارح فبيني وبين اتضاح الرؤية هذا الرصاص) وينهمر الرصاص من كل مكان فتسمع صرخات ومن ثم يأتي الصوت الاول (منين اجانه الخوف ويمه الخوف ويابه اشدلاه علينا) ثم موسيقى ..، ولا تسدل الستارة!!

أداء مبهر !!
مدة العرض كان 50 دقيقة ، وهوباللغة العربية الفصحى ،فيه الكثير من الجرأة ،الكثير من الاشارات الواضحة والرسائل السياسية التي تدين السبي والانتهاكات والناظرين القاعدين من اي حراك ،وكان اداء الفنانات رائعا حيث سجلن حضورا مبهرا بحركتهن التي ملأت فضاء المسرح الكبير ،كم رائعات ويتسابقن في التنافس على روعة الاداء ومرونة الجسد في بعض الاحيان ،وان ضاعت بعض مخارج الحروف في محاولاتهن ايصال اصواتهن الى ابعد متفرج في القاعة ،وقد تفجرت كل طاقاتهن الابداعية بشكل كأنهن لم يمثلن من قبل،فقد امتلكت (سمر محمد) خبرتها مفعمة بالامومة المحطمة ، وكانت (سوسن شكري) بصوتها الارستقراطي تنهش لحم الكلمات وهي تنطقها، فيما كان صراخ (شيماء جعفر) تعبير عن قسوة اهتزت لها خشبة المسرح، مثلها استطاعت (ريتا) ان تنطق بلا لسان ووصل صوتها، اما (ايمان عبد الحسن) فقد فاجأت الجميع لانها امتلكت فضاء المسرح بجديتها وعنفها ادائها ،فيما كانت (بيداء رشيد) علامة فارقة في حضورها وهي تصعد بادائها ليكون مؤثرا ، و كان المتفرج يشعر بالوجع الذي عليه النساء المسبيات من خلال قسوة الاداء والصراخ الذي ينبعث من قلوب مدماة مستنكرات (سبات) الرب الذي لم يغثهن . وتضمن العمل لوحتين تعبيريتين اشرف على تدريباتها الفنان ضياء الدين سامي .وكان للاداء الشجي للفنان الكبير عزيز خيون تأثير وهو يؤدي اغنيات العرض كأنه يجيء من عوالم الشجن الحقيقية.

سمر محمد : الام الكبيرة
& &فقد اكدت الفنانة الكبيرة &سمر محمد: العمل يُشير الى ما واجهنه النساء من مختلف الطوائف والاديان سواء المسيحيات او المسلمات او الايزيديات بعد احتلال داعش لمحافظة نينوى، وكيف استطعن الهروب الى العاصمة، وكل واحدة من هذه النساء حاملة همّاً على كتفها، بشتى صور التعذيب التي تعرضن لها.
واضافت :لقد جسدت شخصية الام الكبيرة لباقي النساء اللائي تعرضن للسبي وقد اوصلت انموذجا للمرأة المنتهكة للتعريف بما حصل من تعنيف واعتداء.&
وتابعت :أنا فخورة بأن يكون هذا العمل هو العمل الذي أقدمه عند انتهاء مهامي كموظفة في دائرة السينما والمسرح،وقد تقاعدت بالتزامن مع عذا العرض ؟
وختمت بالقول: قضية النساء السبايا هي قضيتنا جميعاً وإن لم نعالجها بالثقافة والفن فمن الذي سيكون معالجاً لها.

شيماء جعفر: تجربة متوهجة
من جهتها اعربت الفنانة الشابة شيماء جعفر عن سعادتها بتجسيد شخصية ضحية من ضحايا داعش ، وقالت: هذه تجربتي الاولى في المسرح النخبوي وقد انطلقت مع اسماء كبيرة ، وبرأيي ستكون اضافة مهمة لي ستظل متوهجة في مسيرتي الفنية.
واضافت : جسدت شخصية فتاة مسبية تعرضت لابشع انواع الانتهاكات ، كنت اريد من خلال الاداء الصعب على ان اعبر عن حقيقة الالم في نفوس السبايا اللواتي ما كان لهن حول ولا قوة ازاء عناصر ارهابية غير انسانية .

&عواطف نعيم : رسالة للعالم&
فيما كانت وقفتنا الاخيرة مع صاحبة العمل ،تأليفا واخراجا، الفنانة الدكتور عواطف نعيم التي قالت : العمل يتحدث عن النساء العراقيات اللواتي تم سبيهن من قبل تنظيم داعش ، العمل بمثابة رسالة للعالم اجمع وليس للعراقيين فقط ،كي يعرف حجم المأساة، وويحذر من هكذا تنظيمات ارهابية متطرفة تريد ارجاعنا الى زمن الجاهلية .
واضافت: هناك من يتساءل باستغراب :(لماذا سبايا بغداد؟ وبغداد لم تسبى)، انا اقول بغداد هي المركز ،بغداد هي النبض ،بغداد هي مركز القرار ومركز الحكم واي جزء من الارض العراقية يتعرض لاغتصاب او انتهاك فبغداد هي المسؤولة ،وهؤلاء نسوة عراقيات ،تتحمل مسؤوليتهن الجهات التي ترعاهن ،وما هي الجهات التي تقوم على امرهن غير بغداد المركز وصاحبة القرار .
وتابعت : العرض رسالة الى السياسيين جميعا ، انكم جميعا مسؤولون عما حدث لهؤلاء النسوة لان بغداد فيها كل القيادات وبغداد يفترض ان تحمي كل طرف من اطراف العراق وكل جزء من اجزائه من الموصل الى البصرة ،هي مهمتها حفظه والحرص عليه والحرص على كرامة وعرض نسائه ورجاله .
وأوضحت : هؤلاء النسوة ،بطلات العرض، لم اشر اليهن على انهن من المكون الايزيدي او الصابئي او المسيحي ،هؤلاء نسوة عراقيات تعرضن للامتهان وللانتهاك الجسدي والنفسي وتعرضن لفضيحة ،وهي تشكل جربمة العصرفي الالفية الثالثة، جريمة على العالم كله ان يطلع عليها ويدافع عن حقوق هؤلاء النسوة وان يسترجع هذه الحقوق لاسيما وان اكثر الدواعش هربوا الى اوربا وانتحلوا شخصيات وصفات اخرى .
واستطردت: انا اتساءل :كيف سيتم التعامل مع هؤلاء النسوة المغتصبات من قبل المجتمع؟ كيف سيتم التعامل مع (الاجنة) التي سيولدون من زنا وسفاح ؟ اليس هذا سؤال خطير ان نتطرق اليه ونكشف المسكوت عنه .
واضافت ايضا حول العتب الشديد على الرب لانه كان (في سبات ولم يستجب لاستغاثاتهم) : الرب لم يكن الرب الخالق سبحانه وتعالى ، ليس الله، بل هو المسؤول عنهن لان الحاكم رب ، لان الله لا يغفل ولا يرتضي بالذل ولا بمس الكرامات والانتهاك ولا يرتضي ان يحوّل دينه الى وسيلة للقمع والترهيب والاستبداد والعنف، لكننا نقصد الرب الغافل الذي نسى وظل في سباته والاعراض تنتهك هذاهو الذي نناديه وهذا الذي نتكلم معه&