استهلالاً يقول فرويد: "لا يجوز للمرء أن يظنَّ بأن البشر قد اندفعوا إلى خلق نظامهم الكوني الأول لمجرد الشغف الجزافي بالمعرفة. فلا بدَّ من أن يكون للحاجة العملية للتحكُّم بالعالم نصيبٌ من هذا المجهود".

فالرغبة بالسيطرة على الطبيعة وإدراجها ضمن نظامنا العقلي والتحكم بها، تقف وراء الكثير من إنجازاتنا وفتوحاتنا العلمية. ومن هنا أيضاً جاء القدماء بالتكنيك الثنائي المسمَّى "السحر" و"الشعوذة"، أي تلك المجموعة من المحاولات الأولى للسيطرة على البشر والحيوانات والأشياء أو بالأحرى -وكما كان يعتقد- على أرواحهم، ومحاولة إخضاعها وتسييرها، على اعتبار أن هاتين الاستراتيجيتين اللتين كانتا لدى الإنسان "الأرواحي" هما الأداتان الأكثر فعالية لهذه السيطرة؛ على الأقل من وجهة نظر الإنسان البدائي في تلك الفترة. إن الشعوذة كمفهوم هي مجموعة من الممارسات والطرائق النفسانية المبتذلة والتي تستهدف عمق الإنسان، حيث يتعامل المشعوذ فيها مع ما يُسمَّى بـ"الروح" معاملته للكائن الحيّ الخَطِر! من خلال استمالته وترويضه، بغية السيطرة عليه.

وبكلمة أخرى فإن الشعوذة هي فنّ التأثير على الأرواح. ولهذا السبب ظلَّ التنويم الإيحائي (المغناطيسي)، وخاصة مرحلته الثالثة "السرمنا"، يُعدُّ شكلاً من أشكال الشعوذة برأي كثيرين.

بينما يمكننا اعتبار مفهوم السحر مختلفاً كلّياً، بعد أن نغضّ النظر عن حكم القيمة المرفق به، فهو محاولات الإنسان المتعدّدة إخضاع الحوادث الطبيعية للإرادة البشرية وجعلها تخدم شتَّى غاياته في حمايته من الخطر ومنحه القوة اللازمة لإلحاق الأذى بأعدائه. وبالمختصر، عندما يظنُّ الإنسان بأنه قد قام بطرد "روح شريرة" بالصراخ والصخب، فتلك هي الشعوذة البحتة. بينما عندما يظنُّ بأنه يرغمها على المغادرة لأنه قد امتلك اسمها، فذلك هو

السحر. ومن هنا تأتي أهمية الاسم في التاريخ الإنساني حيث كانت الأقوام القديمة تقوم باستبدال اسم المتوفَّى باسم آخر خوفاً من إيقاظ روح المتوفَّى! وهذه دلالة واضحة على أهمية الاسم واعتباره جزءاً من الشخصية والروح.

وحتى في يومنا هذا نجد لدى بعض المجتمعات بعضاً من رواسب هذا التقليد، فبعد موت شخصٍ ما، اسمه فلان مثلاً، يصبح اسمه بعد وفاته "حياة فلان"، للدلالة على أنه ميّت. ناهيك عن الكابوس الحديث، أو ما يُسمَّى بقوة الاسم والرقم المكوّن له! ولا بدَّ من الإشارة هاهنا إلى أنَّ السحر ليس القدرة على تحريك حجرٍ من مكان إلى آخر، ولا حتى بخداع العين. بل يُقصَد به ما سمَّاه فريزر بالمحاكاة. وأقرب مثال على ذلك هو أن تصنع صورةً عن عدوّك -أياً كانت مادَّتها- وكل ما تفعله بهذه الصورة سيصيب صاحبها! وخير من عبَّر عن تلك العقلية لدى البدائي هو، أيضاً، فريزر عندما عرَّف هذه المحاكاة بأنها "أخذ البشر الخاطئ لنظام أفكارهم بدلاً من نظام الطبيعة، ولذلك تخيَّلوا بأن السيطرة التي يحوزونها، أو التي من الممكن أن يحوزوها، على أفكارهم، تسمح لهم بأن يجرّبوا سيطرةً مماثلةً على الأشياء".

أيضاً يُسمّيه فريزر بالسحر المحاكاتي أو السحر التلقيحي، ونستطيع التماس بقايا هذه الممارسات السحرية في الكثير من الطقوس الدينية كـ"صلاة الاستسقاء" على سبيل المثال.

وهذه الممارسات والمعتقدات آنفة الذكر هي الجذر السيكولوجي الحقيقي الذي يقوّي بعض الخرافات التي ما تزال تعيش بيننا حتَّى اليوم. وهي بالتأكيد امتدادها التأسلي إن صحَّ التعبير. فلا يهتمّ الكثيرون، اليوم، أين هو العلمي وأين هي الخزعبلات، ما دامت هذه الخزعبلات تمدُّهم بشعور الرضا عن الذات، وتُشعرهم بالسيطرة على الأشخاص والمجهول والمستقبل؛ تماماً كمن كان يؤمن (في مصر القديمة) بأنَّ العاصفة سببها صراعٌ بين الإله رع والشياطين، وأنَّ

شروق الشمس سببه انتصار الإله رع وعودته مظفَّراً، وليس لأن الأرض تدور. فالأهم عندهم هو أنَّ هذا المعتقد يُشعرهم بالسيطرة على ما هو خارج إرادتهم.

&باحث سوري في علم النفس التحليلي.