صدر للكاتب العراقي علي حسين كتابه الذي يحمل عنوان (غوايات القراءة) عن دار الكتب العلمية ببغداد، وهو رحلة جميلة ورائعة في عوالم الكتب التي بدأ الكاتب شغفه بها حينما كانت تحيطه من كل الجوانب في تلك المكتبة الصغيرة ، حيث كان لا يجد بدا من مدّ يده الى هذا الكتاب او ذاك ليرى ما فيه من تجارب وعوالم ومتعة حتى تحول الحال الى شغف ،فكانت يده الممتدة الى الكتب تصافح مؤلفي الكتب وتعانق ابطالها وتنسج في دواخله حكايات جديدة عن علاقات مع اسماء كثيرة كانت تنتج في نفسه الكثير من الاسئلة عن اسرار القراءة والكتابة فكان يقرأ ليكتشف الكثير مما لا يعرفه ،لكن اسئلة عديدة اصبحت تراوده مثل :لماذا نقرا؟ وماذا تقدم لنا القراءة ؟ .
يقع الكتاب في 288 صفحة من القطع المتوسط ، يذهب فيه برحلة الى عوالم القراءة والكتابة حيث يتناغم مع 25 فكرة عن ادباء ومفكرين من العالم كانت علاقتهم مع الكتاب علاقة وثقى ولهم تجارب انسانية معه فقالوا فيه وفي القراءة الكثيرة ، اسئلة واجوبة ، علامات استفهام عديدة واكثر منها علامات تعجب كلها تقوم على اهمية القراءة فيحدثك عن احوال الادباء ، يفتتح كتابه بمقدمة له حملت عنوان (قراءة الكتب تجدد حياتنا) يستهلها بقول لغوركي (على الارض ما يستحق القراءة)، يقول فيها (دائما ما يطرح عليّ هذا السؤال: كم استغرقت في قراءة الكتب؟ والاجابة تكون في كل مرة: لقد استغرقت الكتب حياتي كلها، نعم ان فعل القراءة ربما يحسب بالسنين،لكن رفقة الكتاب هي رفقة عمر كامل،هذا هو حالي مع الكتب،وهو الحال الذي اريد ان اقدمه للقاريء في هذا الكتاب الذي اعده اشبه بخلاصة لتجربتي في الحياة)
وبمضي موضحا ومجيبا عن اسئلة تقليدية :لماذا نقرأ؟ وماذا تقدم الكتب لنا؟ سؤال حاول ان يجيب عليه عالم الفلك الشهير غاليلو الذي رأى ان القراءة افضل طريقة لامتلاك قوى الإنسان الخارق. وكان كافكا يصر على ان الكتب مثل "الفأس الذي يكسر البحر المتجمد بداخلنا"، ويعتبر الشاعر الفرنسي بول فاليري ان مجرد فتحنا لصفحات الكتاب يمكنه أن يمنح أفعالنا رؤيا جديدة.
ويستطرد في اجابته : بالنسبة لي ليس مهما ان اكون قارئا ، بل يجب ان اكون قادرا على بث الشغف بالقراءة عند الاخرين، و عنما اكتب عن الكتب واستذكر مؤلفيها لايمكنني غض الطرف عن الروابط العاطفية بيني وبين الكتب والقراءة.. وبرغم مئات الصفحات التي كتبتها في مديح الكتب، ساظل طوال عمري أتذكر نصيحة الروائي الراحل الكبير عبد الرحمن منيف، عندما قال للشاب العامل في المكتبة الذي هو أنا : حاول أن تجعل من القراءة واقعاً تعيشه !.
في (غوايات القراءة) يرسم علي حسين الكثير من ملامح حياة الكتّاب العالميين ويشرح معاني علاقتهم بالكتب، مثلما سيعطي القاريء معلومات عن تأريخ الكتابة والمكتبات، وعن علاقات الشعوب بكتّابها،بل ان يزين الفصول التي يكتبها بعبارات مأثورة لنخبة من الكتاب عن قيمة القراءة وعلاقتهم لها ، يأخذ القاريء في رحلة شيقة من الحكايات مع الكتب والكتاب والفلاسفة ،تشكل انتقالات ممتعة في الحديث عن اولئك الصناع للجمال وكتبهم باسلوب شيق ، ترى لقطات سينمائية من حياة :بول فاليري،اوسكار وايلد ،اندريه جديد،فرجينيا وولف، مارك توين، غوستاف فلوبير ،ديل كارينغي، المتنبي ،سلامة موسى،جاك لندن،غوغول، غوته،ايزابيل اللندي ،امبرتو ايكو ، كازنتزاكيس ، جونثان سويفت ، انشتاين ، فكتور هيجو ، مارسيل بروست ، نابوكوف ، دستوفيسكي ، تشارلز ديكنز، دوستوفيسكي، نيكوس، سارتر، كامو، نيوتن، جيمس جويس، ملفل،وتمان ، ثربانتس، طه حسين، الأصفهاني، همنغواي، سالنجر ،جون ستيوارت وشتاينبك، تتخلل تلك الحكايات العديد من الاسماء والكثير من الكلمات التي تزهو بها القراءة ويزدان بها الكتاب ، حكايات ليست مملة ولا معقدة بل انها تأتي هادئة وقد يبدأها المؤلف من نفسه ، من علاقته بها وبكاتبها قبل ان ينطلق في سرد الاحداث ويضخ المعلومات التي تعبر السنوات لتكون بين يدي القاريء قابلة للهضم والاستمتاع عن احوال الكتب والمكتبات.
في الاخير .. حين يجد المؤلف الاجابات على الاسئلة التي طرحها على نفسه في مسارات حياته والتي كانت لها كثافة في نفسه يذهب الى يقدم نصائحه لمن يريد القراءة عبر برنامج لخصه في اربع نقاط هي قراءة : كتاب واحد جيد اسبوعيا على الاقل،جريدة او مجلة بين يوم وآخر ،رواية ممتعة في اوقات الفراغ وكتاب لمراجعة الكتب المهمة .