إلكترا تاريخياً، أو من خلال الأسطورة اليونانية، هي ابنة ملك الإغريق "أغمانون". وقد اشتهرت بقيامها بتحريض أخيها "أوريستيس" على قتل أمّها "كليتمنسترا"، بعدما اتهمتها بالمشاركة في قتل أبيها. يضاف إلى ذلك كلّه السبب الأهم وهو حبّها السابق والشديد لأبيها وتعلُّقها به ورفضها في أن تشاركها فيه أي إمرأة غيرها، حتى ولو كانت هذه المرأة هي أمّها!

لذلك أطلق علماء النفس هذا الاسم على إحدى العقد النفسية التي تعاني منها البنت في فترة المراهقة، وما ينتج عنها ليغطي المراحل القادمة. وبهذا المعنى فإلكترا هي النسخة المؤنَّثة لما يُسمَّى "عقدة أوديب". وعلى الرغم من أن فرويد هو من ابتكرها، إلا أن يونغ هو من أطلق التسمية الحالية على العقدة التي كان يُسمّيها فرويد "عقدة أوديب المؤنثة".

وبعد أن نضع جانباً جدلية: هل عقدة أوديب ظاهرة عالمية أم أنها تخصّ نمطاً محدَّداً من المجتمعات البشرية؟، يمكن القول بأن الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة يميل عاطفياً باتجاه أحد الوالدين من الجنس المعاكس أكثر من الآخر. فبينما يميل الولد تجاه أمّه، تنجذب الفتاة وتتوجه بمشاعرها تجاه أبيها. بعد ذلك، أي في مرحلة الطفولة المتقدمة، تقع الفتاة في غرام أبيها وتعشقه لاشعورياً. لِـمَ لا؟ وهو في عقلها الباطني أحد صور الشمس والإله، وهو أيضاً الوسيم الوحيد في العالم والأكثر

صدقاً وكرماً، وهو النور الذي يضيء عليها حياتها. وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى مسألة في غاية الأهمية وهي أنه في حال كان الأب مميزاً فعلياً ومصدر إعجاب الكثيرين، وليس فقط في خيال صغيرته، فهذا سيقود إلى تعزيز فكرة الأب المطلق في خيال المراهقة؛ الأمر الذي سيضرّ بعلاقاتها المستقبلية، خصوصاً في مسألة اختيار شريك حياتها. فهو لو صنع "المعجزات" سيبقى في نظرها أقلّ بكثير من أن يدرك أبيها في عليائه! وهنا نستطيع أن نخمّن كم سيكون هذا الزوج تعيساً في إجلاسه على هذا العرش العاطفي الشائك كوريث لأبيها في قلبها. في مرحلة ما قبل المراهقة تسير الأمور في مصلحة تعزيز عقدة إلكترا، وعلى وجه الخصوص مديح الأب العفوي لابنته في ما يتعلَّق بجمالها وبأنها قد أصبحت كبيرة. فتتمّ ترجمة هذه المشاعر الأبوية بشكل مختلف كلياً في لاشعور المراهقة. ويزيد هذا من احتمال الصدام مع الأمّ، وتظهر أعراضه على شكل خلافات تافهة من دون أسباب واضحة.

ولا أجد من داعٍ للتذكير بأننا عندما نتحدَّث عن بواكير عقدة إلكترا فإنما نحن بصدد عقل في بداية تشكيله الأخلاقي والانفعالي، بالإضافة إلى الاختلاف الكبير في فهم طبيعة العلاقة التي تربط بين الزوجين أو العاشقين من قبل الطفل، ومآلات هذه العلاقة، أو إلى أين تقود في شكلها النهائي. تُعطى الأمُّ، من خلال لاوعي ابنتها، دورَ المنافس والغريم في حبّ الأب ويُلقى عليها وزر ذلك كلّه. ويزيد في تسعير نار الخلاف المبطن شعور البنت بالغبن القديم، وبأن الأم هي السبب في معاناتها وفي ولادتها "مخصيةً"!

وحول هذه النقطة الأخيرة، أي إحساس الأنثى اللاواعي بالخصاء وتفوُّق الذكر عليها، يعترض عددٌ من المحللات النفسيات من أمثال كارن هورني وهيلين دوتش وميلاني كلاين، على هذا الرأي الفرويدي، ويذهبنَ إلى أن فكرة عدم رغبة الإناث بأن يكنَّ إناثاً إنما تقف وراءها نظرة الرجل إلى المرأة بدونية. إضافة إلى اعتبار أن هواجس البنت وأفكارها في تلك المرحلة هي أعراض عصابية غير سليمة، ولا تنتمي إلى مراحل النمو الجنسي - النفسي الطبيعية.
&باحث سوري في علم النفس التحليلي.