اعداد وتقديم - إيمان البستاني

باحث على الدوام عن الجديد غير المألوف، او بكلمة عبقرية &واحدة (متمرد) هكذا تصف الفنان العراقي المغترب ( ستار نعمة) خريج الاكاديمية البلجيكية سانت جوس للفنون الجميلة والحاصل على شهادة التصميم من معهد الفنون التطبيقية في بغداد والمتخصص ايضا في التصوير الفوتوغرافي والحائز على جائزة (فان كوتسيم)السنوية التي تمنحها اكاديمية سانت جوس للفنون الجميلة في بروكسل لعام ٢٠١٣ لافضل عمل تشكيلي
تتمحور انشغالات (ستار نعمة) في محاور الفن التشكيلي التجريدي والتعبيري الدائر حول ثيمة الجسد مبتعداً عن الصيغ التقليدية، ليس هدفه امتاع النظر بل الولوج كأنه فعل تحريضي على طرح تساؤلات وجودية رامزاً للتحرر الداخي كأنه ممارسة لطقس بدائي حتمي يشتغل على مساحات من ثنائيات الضوء والظل القابعة في كينونة الانسان متناغماً بين بيئه جذوره الاولى ومناخات الاغتراب

في فن المسرد الثقافي له بصمة في تصميم اغلفة الكتب - الغلاف انشغاله الثاني تلك المسؤولية التي يحيلها مؤلف الكتاب لمصمم قادر على التأثير على عين المتلقي تاركاَ اثراً تدشينياً واخر استمرارياً , للفنان نعمة تصاميم منفذة لأغلفة كتب تفاوتت بين الشعر والرواية
انشغاله الثالث يدور في فن الفيديو أو (الفيديو آرت) أحدث الفنون البصريّة المتحدرة من صلب أسرة الصورة الضوئيّة، فن طامح للتعبير عن هواجس الإنسان المعاصر وتطلعاته، للفنان( ستار نعمة) لغته الخاصة في تقديم و تشكيل مادة جذب تستقطب اهتمام و فضول زوار معارضه
وله مساحات ابداع واضحة في فن التركيب (الانستليشن) فن تركيب العمليات الفنية والتشكيلية التي تنتج تركيبات شكلية لها وجود فيزيائي غالباً ما يقوم على تداخل مكاني مع موجودات المحيط يتمخض عنها نتاجات فنية مسرحها المعارض و صالات العرض، يتصف اسلوبه بالجرأة وروح التغيير والغرابة في كثير من الأحيان؛أخرها مجسماته الستة الواقفة على كومة كتب مغلفاً اجسادها بالورق ويعلوها راس مستطيل له وجه مرآة تعبير مختزل جميل لاهمية الكتاب وتأثيره في بناء الانسان، العرض كان بمناسبة معرض الكتاب السنوي الذي اقيم مؤخراً في العاصمة العراقية بغداد
تستضيفه اليوم إيلاف في فقرة شؤون ثقافية في حوار خاص للوقوف على ابعاد وتأثيرات تجربته الفنية المتميزة

- شأن احلام الصبيان، ضابط بأكتاف لامعة بالنجوم , كيف تغيرت الاقدار لتكون رساماً ببابليت وفرش الوان؟
هذا سؤال نبش بإيام الصراع مع العائلة، ابي على وجه الخصوص حين كان حلمي ان اتلطخ بالألوان والبس جاكيتا باليا، تماهيا مع صورة الفنان التي طبعت ذاكرتنا واغرتني اللامبالاة التي تسبغ شكل وفكر الفنان التشكيلي فلا شيء مهم غير اللوحة،
كان والدي يحلم بأن اصبح ضابطا كبيرا في الجيش أو طيارا ليفخر بي امام الناس، رغم كوني جندي فاشل في الأيام التي تلت الدراسة والتحاقي بالجيش، لم أكن بطلا فخورا، كرهت بندقيتي ولم اطمح الى النياشين ولا للأنتصارات،
منذ بداية تلمسي للوجود و وعيي بأن الفن والادب هو ما يشغل وجداني، كنت اتملص من حلم ابي لأتسكع مع أصدقاء السوء، الذين كانوا مشاريع فنانين أو ادباء،أولئك الذين لهم أرواح عصافير، مثل ما لدي،
وها انا في ورطة الفن الى اليوم

- رغم تعثرات الحلم على ارض الوطن , استطعت الحصول على شهادة تخصص في التصميم؟ وبكل معوقات الغربة تخريجت من الاكاديمية البلجيكية كيف تقيم تجاربك الدراسية&
بصراحة لم تشكل لي الدراسة اكثر من تأطير واحيانا كبح لجماح الطاقة، لكنها فتحت عيوني على آفاق التقنيات وكيفية التعامل مع المادة، جعلتني اتعامل مع ادواتي بحذر اين اخفف اللون واي فرشاة استخدم، بالتأكيد انا ممتن لأساتذتي لكن بالنهاية، الدراسة تجعلك حرفي ماهر اما روحك الشقية المتسائلة والمغتربة، فتصنع منك فنانا،&

- لك خطوط قوية جريئة تشكل بها نتاجك , كيف اكتسبت التكنيك العالي واين تقف الموهبة من التمرين والممارسة؟وكيف تحدد مقومات اللوحة الناجحة؟
قال لي استاذي بدرس التخطيط يوما: ستار لاتجهد نفسك كثيرا في اظهار الملامح دع روحك ترسم، كانت الجملة كمن نقره طائر نقار الخشب على رأسه، حينها بدأت باستحضار مساحات العقل الباطن المهملة وقفز السؤال الى رأسي، كيف يمكنا التعبير بلا بلاهة القصدية العالية؟
&بالكثير من التجربة والمحاولات اكتشفت هذا العالم وتعلمت ان ارسم بلا قصد مثقل بالقواعد، غير ذلك فان الرسم بهذه الطريقة يمنحني متعة شخصية لاتضاهى وهو بحد ذاته اكتشاف لمتع جديدة، أقول في نفسي دائما لماذا لا يستمتع كل الناس بالرسم والتشكيل؟ وهو فعل إلهي،
قضية اللوحة الناجحة بتقديري هي اللوحة التي تستشعرها وتحسها، هي التي تشيع فيك الدهشة والحماسة والفضول للاستمرار امامها، &

- يتغلب الجسد ثيمة طاغية تعبر بها عن رسائلك الموجهة للمتلقي؟ ماذا تبوح بتلك الرسائل؟
باعتقادي ان كل ما نملك هي اجسادنا، لا شيء اخر، وهنالك تهميش واقصاء للجسد باعتباره دنس وخطيئة والذي خلقته الأيدولوجيات الدينية والأخلاقية، التي تراكمت حتى أصبحت مسلمات، هنالك ظلم واقع على اجسادنا تلك التي تحمل المنا ونشوتنا وشعورنا العام بالوجود، اجسادنا اوعية ارواحنا، هي التي تحمل ايضا حواسنا العظيمة فردانيتنا و وحدتنا الأبدية والتي هي منطلقات التفاعل مع ما حولنا،
&رغم ان اعمالي تحاول ان تبتعد عن المفهوم الايروسي الكلاسيكي فانا اعجن الأجساد لخلق تعبير مواز اخر مختلف، هي محاولة مني للاحتفاء بالجسد،&

- كنت مثار حديث بغداد في معرضها للكتاب السنوي ٢٠١٩ , كيف اسست لفكرة تركيب المجسمات وما النتائج التي افرزتها المشاركة؟ هل هناك مشروع جديد؟
انا سعيد بالتجربة وتفاعل الجمهور العراقي معها، كانت أيام جميلة، ان تتلمس ذائقة الناس و تتحاور معهم، الفكرة قفزت لرأسي في الدورة السابقة حين كنت مدعوا واثار انتباهي تلك المساحة الفارغة وسط المعرض وكفضاء لوحة الكانفاس البيضاء كنت مشغولا بأملائها، فانا من الناس الذين يثيرهم الفضاء الفارغ &وقد يكون ذاك الهاجس محركي الدائم لإشغال الفراغات وصناعة الفن،
أما بشأن المشروع الجديد فلا شيء محدد الى الان لكن هاجس الاشتغال هاجس لا يفارقني وأعتقد بأن أي شيء من حولي مهما كان بسيطا أو مهملا مرشح لدي لكي يكون موضوع مشروعي القادم،

- &تجربة تصميم اغلفة الكتب هل تتطلب منك طقساً معيناً , قراءة المحتوى مثلاً ام الاكتفاء بمزاجية المؤلف , وما تقييمك للتصاميم الالكترونية؟
تصميم أغلفة الكتب، تجربة موازية أخرى الى جانب اشتغالاتي الأخرى وأنا اخترته لانه فن وظيفي لايبتعد كثيرا عن التشكيل، هو مكمل أيضا للمنتوج الأدبي، الطقس المهم في التصميم هو مدى محبتي لمادة الكتاب وقبولي لها فقراءة كل النص او جزء مهم منه هو ما يحفز المخيلة على تجميع الشكل واللون وتصميم الغلاف لدي،
بعض المؤلفين يعتبرون الغلاف عمل تشكيلي جميل فقط ويغفلون جانب التسويق والترويج أو التأثير البصري على (مستهلكي) الادب، يحاولون فرض مزاجهم الشخصي، في حين ان العملية خاضعة لخبرة واحتراف المصمم،

&- لك خط مساير عن الاخرين، البحث الدائم عن الجديد والغريب والاشتغال بعيداً عن مظلة المدارس الفنية , ما مصادرك المستقاة , ألهام شخصي و مزاج لحظي ام تراكم الخبرات؟
أحاول أن اخط لنفسي خطا يشبهني كشخص قلق مفتون بما تفعله عيوننا من تشرب للوجود بمعناه المتشكل والمادي وكيف تعكس اصابعنا وافكارنا ذلك من خلال الفن، لتعيد تشكيله بمزاج وسيكولوجية الفرد بما تحمله تجربة كل شخص على حدة وهنا يجب على نتاجنا ان يكون مختلفا والأ فما معنى ان نستنسخ بعضنا،
&انا شغوف بكل العملية التشكيلة والبصرية وهذا ما يدفعني الى اختصار الزمن وتجريب كل ما يخطر ببالي، اشعر بأن الوقت ضيق ويجب علي فعل الكثير لذلك فأنا لا الزم نفسي بقواعد كلاسيكية قد تعطلني، رغم ذلك فانا اميل الى التجريد والتعبيرية في اعمالي، أحب ان أكون حرا وان احرك ريشتي وافكاري بالاتجاه الذي يرضي ويشبع ذاتي أولا، وبعد ذلك سوف يستشعره الآخر ويحبه، &

- ما تقييمك لتجربة المعارض التي أقمتها داخل وخارج العراق وتفاعل الحضور؟ هل حصلت تغيرات في التحضير والجهد الاعلاني بين معارض اليوم والأمس؟
دائما ماكنت ألمس تفاعلا جيدا من قبل الجمهور الذي يحضر، وهذا ما يدفعني للتفكير مليا قبل أي معرض قادم اقيمه، اقلق كثيرا وأحاول ان يكون كل شيء مثاليا حسب رؤيتي وتصوراتي للشكل العام للمعرض وما يقدمه من فرجة ودهشة للجمهور، وبالتأكيد التحضير اليوم يختلف شيئا ما عن معارض الامس، مواقع التواصل الأجتماعي اليوم، أصبحت تشكل ثقلا ترويجيا مهما للغاية فقد حلت محل التلفزيون والصحف، الكثير من الناس أصبحت تستقي الاخبار والمعلومات وحتى الثقافة من خلال الانترنيت، وانا أحاول أن أكون حاضرا في هذا المشهد المهم،&

- ماذا يشغل (ستار نعمة) هذه الايام؟ وما الذي تتمنى تحقيقه كأمنية مؤجلة؟
شاغلي الاول هي ثغرة الفناء في عملية الوجود، كان الاجدر بالطبيعة أن تكون كريمة وتمنحنا وقتا أطول، هو ليس طمعا بالاستمرار والطموح بالأبدية، لكن على الأقل لكي احصل على فرصة لأكمال اللوحة القادمة، وللمفارقة، فان وجود لوحة قادمة مستمر ولن ينتهي،&
امنيتي المؤجلة هي ان اسافر الى أمريكا اللاتينية، اتخيلها مليئة بالألوان والادب والرقص والموسيقى،