ربما تعود أزمة 2008 المالية بعد عقد على إخماد حرائقها. هكذا يبشِّرنا ثلاثة من أرباب الاقتصاد، الذين كانت لهم اليد الطولى في وقف الأزمة قبل عشرة أعوام، والحدّ من أثرها المدمّر في الاقتصاد العالمي.

"إيلاف" من بيروت: في كتاب "إخماد الحريق: الأزمة المالية وأمثولاتها" FIREFIGHTING: The Financial Crisis and Its Lessons &(المؤلف من 230 صفحة، منشورات بينغوين، 16 دولارًا)، يلخّص بين برنانك وهنري بلسن الابن وتيموتي غيتنر كيف حصلت الأزمة المالية التي هزّت العالم بين عامي 2008 و2009، وأين نحن منها اليوم.&

الثلاثي الذي دوّن هذا الكتاب ما هو إلا نفسه الذي لعب دورًا رئيسًا في محاولة احتواء تلك الأزمة أو إخماد حريقها، في حينها. فدورهم كان مهمًا في تلك الفترة، لأن مناصبهم لم تكن مؤثرة في الولايات المتحدة فحسب، بل في الاقتصاد العالمي بأسره.

الثلاثي المؤثر
كان برنانك رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي، المركز الأكثر تأثيرًا في الاقتصاد العالمي إلى اليوم، وكان بلسن وزير الخزينة في عهد الرئيس جورج بوش، وكان غيتنر رئيس البنك الفيدرالي الأميركي في نيويورك، متبوأ مركزًا مؤثرًا في النظام الفيدرالي الأميركي في واحدة من أكبر المؤسسات المالية ثقلًا في العالم. وهو نفسه خَلَفَ بلسن في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.&

خاف العالم أجمع خلال أشهرٍ عديدةٍ من عامي 2008 و2009 أن ينهار الاقتصاد العالمي. وكان الخوف مبررًا، إذ شهدت الأسواق المالية حالة جمود وتوقّف لحركة التسليف، باستثناء المقترضين الموثوق بهم. لكن الأسوأ لم يحدث، فقد تزعزع الاقتصاد، لكنه حافظ على ثبات قاعدته.&

منحنا الثلاثي تمهيدًا يشرح فيه سبب احتمال حدوث الأزمة في حينها، مع تبرير سبب عدم ملاحظة اقترابها. كما يسردون كيف تم الكشف عن طريقة الإنقاذ المالي في حينها، ولا يخلو الأمر من تحذيرٍ مخيفٍ للمستقبل.&

خوف عابر
يقول مؤلفو الكتاب إن ما حصل في عام 2008 في الواقع ليس سوى حالة هلع مالية كلاسيكية شبيهة بكل الأزمات التي حصلت منذ تأسيس الخدمات المصرفية الحديثة، والتقوا في هذه النقطة مع تحليل الاقتصاديين.&

إذًا... السؤال المطروح هنا هو: لماذا لم يلاحظ أحد قدومها؟. يقول الكتّاب إن جزءًا من سبب عدم التنبّه إليها هو إصرار بعض الاقتصاديين على مناقشة كون الابتكارات المالية مدعاة للاطمئنان، إذ جعلت الأزمات جزءًا من الماضي الذي لا يمكن العودة إليه. تبيّن لاحقًا أن الابتكارات المالية نفسها هي التي جعلت الأمور أسوأ.&

يقال كذلك إنه من الصعب ترميم شيء قبل أن ينكسر، ما دام الإسكان ما زال يتضخّم، المشاكل الظاهرة قليلة، وكل شيء يبدو سليمًا. اعترف الثلاثي بفشله في التنبّه إلى الخطر الآتي، وضمنه إعلان برنانك، الذي أساء إلى سمعته، أنهم تمكنوا من احتواء مشكلة الإقراض العقاري.&

محاولات فاشلة
بعد ذلك، كل ما تم ذكره سابقًا قد انهار. فالقسم الثاني من الكتاب يتمحور بشكلٍ خاص حول الجهود اليائسة المتزايدة للثلاثي لتدعيم أحجار الدومينو قبل أن تنهدم وتنهار معها المنظومة. كل ذلك قصة معقّدة، وتبدو التفاصيل مفيدة أكثر بالنسبة إلى من كان معنيًا مباشرةً. ولا نظن أن هناك أي اكتشافٍ مفاجئٍ في هذا الخصوص.&

لكنهم يقولون إن هناك أمرًا واحدًا يختصر هذا التعقيد، وهو أن الابتكارات في عالم المال هي التي جعلت احتواء الأزمة يصبح صعبًا بشكلٍ خاص.
&
مع ذلك، وفي ربيع عام 2009، بدا أن العاصفة هدأت، وبدأت مرحلة التعافي البطيء. لكننا مع هذا البطء، في هذه الفترة، عدنا إلى اقتصاد يعاني أقل من مشكلة البطالة وسوق مالية مستقرة وفق ما كان ظاهرًا.&

لكن، هل نقلق من أزمةٍ أخرى؟. للأسف، يقول الكتّاب: نعم هناك ما يدعو إلى الخوف. فالخدمات المصرفية أقل خطورةً من السابق، لكن الأزمة ما زالت متوقّعة. بتعبيرٍ آخر، من الصعب رؤية الخلفاء الحديثين لهذا الثلاثي ينفذون النوع نفسه من عملية الإنقاذ التي نفذها الكتّاب منذ عقد من الزمان.&


أعدت ايلاف هذا التقرير عن "نيويورك تايمز". الأصل منشور على الرابط:
https://www.nytimes.com/2019/04/16/books/review/ben-bernanke-timothy-geithner-henry-paulson-firefighting.html &
&