بقلم& لحسن ملواني

ومن الحب ما قتل
يحكى أن الشاعر عبد الملك الأصمعي أحد فطاحل الشعر العربي أنه وهو في سفره يتجول في بعض البوادي فلمحت عيناه أبياتا منقوشة على صخرة
أيا معشر العشّاق بالله خبروا & & &إذا حلّ عشقٌ بالفتى كيف يصنع
ويرد عليه الأصمعي بقوله :
يُداري هواه ثم يكتم سره، ويخشع في كل الأمور ويخضع
وفي اليوم الموالي وجد الأصمعي بيتا مكتوبا أسفل البيت الذي كتبه هو في اليوم السابق وكان هكذا:
وكيف يداري والهوى قاتل الفتى & & & &وفي كل يومٍ قلبه يتقطع.
وفي اليوم التالي مرّ الأصمعي على نفس الصخرة، ولاحظ وجود بيت من الشعر مكتوب أسفل البيت الذي كتبه هو في اليوم السابق:
وكيف يداري والهوى قاتل الفتى & & & & وفي كل يومٍ قلبه يتقطع
ورد &الأصمعي على البيت فكتب:
إذا لم يجد الفتى صبرًا لكتمان أمره & & & &فليس له شي سوى الموت ينفع
وقد وُجِد ـ بعد أيام ـ شاب منتحرا بجانب تلك الصخرة، وهو الشاب العاشق الكاتب للأبيات التي رد عليها الأصمعي&
، و قبل انتحاره كان &قد كتب على ذات الصخرة :
سمعنا أطعنا ثم متنا فبلّغوا & & & سلامي إلى من كان للوصل يمنع
هنيئًا لأرباب النعيم نعيمهم & & & &وللعاشق المسكين ما يتــــــجرع
وبهذه الحادثة ارتبطت مقولة “ومن الحب ما قتل” بالأصمعي.
وفيلم وصال نهايته قتل للعاشق من قبل معشوقتة ثمنا للحب الذي جمعهما يوما ما ...
وفي الفيلم أحداث متلاحقة متضاربة تنعش مشاعر المشاهد وتجعله يعيش بين التوقعات والشكوك الدفينة قبل أن تؤول هذه الاحداث إلى اقتتال بين وصال وعشيقها القديم الذي قتلته ثمنا للعشق الذي جمعهما قبل أن تتزوج.

ـ قصة الفيلم
& مدرس يسقط في حب موظفة تعمل ببلدية فيتزوج بها بسرعة، وتبدأ مشاكله المنغصة عليه نعمة هذا الزواج حين يتلقى بين الحين والحين مكالمات هاتفية من مجهول ينبهه إلى سوء سيرة وصال، وأنها لا تناسبه، الأمر الذي دفع بالزوج لرصد تحركات زوجته، لتتكهرب العلاقة بين الزوجين، وتكشف قصة الفيلم علاقة الزوجة بعشيق سابق، ستلتحق به بعد طلاقها من زوجها، لكن العشيق &يتنكر لها، &ويحاول تجاهلها مما دفع بها لطعنه ليسقط قتيلا.

ـ أحداث منغصة&
جسد دور البطولة في الفيلم باقتدار كل من أمال صقر " وصال "، وياسين أحجام " يحيى، وعبد السلام البوحسيني.. والفيلم من سيناريو و إخراج حكيم القبابي.
بداية الفيلم مغرية، يتجسد فيها حسن المعاشرة بين يحي وامرته وصال، لكن بين الحين والحين يثار ما يشير إلى عدم ارتياح الزوجة بزواجها رغم توفير جميع ما تحتاجه من قبل زوجها، بل يبدو أنها محسودة من قبل زميلاتها الموظفات معها في البلدية. هذا التدرج للمشكل سيؤججه تباعا مكالمات هاتفية كدرت على يحيى المدرس حياته الزوجية وكدَّر صفاء علاقته بزوجته وصال التي يُبدي لها مرارا قوة حبه لها إلى حد المبالغة.&
تتكرر المكالمات المجهولة، ويتكرر التجسس على الزوجة وصال من قبل يحيى ليجد نفسه مذنبا حيث يجد الزوجة ـ وهو يريدها متلبسة ـ بريئة لا تقوم إلا بما هو مباح، ومن حقها.
تكرار المكالمات، ومحاولة الكشف عن الجرم أضفى على أحداث الفيلم إثارة خاصة، فهو يعتقد أمورا ويتكشف له فيما بعد أن المرأة خارج الاتهام، إلا أن الاضطراب لا يبارحه، فهو في كل الأحوال شاك مرتبا ارتيابا عكر علاقته الزوجية، وجعل زوجته ـ ولو تمثيلا ـ تبدي امتعاضها من تصرفاته اللامسؤولة إلى حد أنها طلبت منه الطلاق.
وبمغادرتها بيته، انهالت عليه التساؤلات متهما نفسه بالغبن والقصور والغلط، ويؤثر ذلك على علاقته بطلبته، وبالموظفين، ليعيش يستبد به الشك والقلق والتردد. فما عليه إلا ان يتقدم لاسترجاعها كي تعيش معها مرة أخرى.
وتعود المياه إلى مجاريها، وكأننا من جديد في بداية أحداث الفيلم، حيث يبرزان في صور تدل على استمتاعهما بحياتهما الزوجية من جديد (السير على الشاطئ، التقاط الصور التذكارية، مرح، إظهار الألفة والسعادة والعلاقة الزوجية الحميمية بينهما).
وتتوالى المكالمات لتعيد يحيى إلى العذاب، وبحدة، فالمجهول يطالبه بتعقب امرأته في أماكن خاصة ليجد مرة أخرى أن المسألة عادية، وما تقوم به ليس سوى ممارسة حق من حقوقها المشروعة. غير أن عذاب الشك وقسوته دفع بيحيى ليطلق زوجته لتلتحق سرا بمنزل عشيقها السابق، والذي أظهره الفيلم كاملا بعد أن كان مجهول الصفة والملامح.. في المنزل وبعد ليلة حمراء، يتحدثان عن علاقتهما، لتجد وصال أن عشيقها الذي وعدته بأن تنتظر عودته من الخارج، والتي خضعت لبغيته المفبركة ـ &وهي زوجة يحيى ـ يحاول التنصل من علاقته بها، فما هي إلا أن غرزت في ظهره سكينا ليسقط ميتا وهي تصرخ فوق جثته.
وفي آخر الفيلم يبدو المدرس يحيى، وقد خرج من الثانوية التي يشتغل بها مثارا حين يرى صورة امرأته في الصفحات الأولى من الجرائد من بعض الجرائد، وهي الخائنة لزوجها القاتلة لعشيقها. وبذلك يبعد عن نفسه الشعور بالبلاهة، والتخلص من سيطرة الاوهام ومآسي عكرت عليه حياته الزوجية والمهنية حتى.

فيلم مشوق وجميل&
الفيلم مشوق مثير لتأرجح الأحداث فيه بين المجهول والمعلوم، بين الصدق والخدعة، بين الثقة والشك، بين الواقع والتهيئات التي ستصير في نهاية الفيلم حقيقة.
الفيلم متوازن البناء أحداثا وجمالية، ومشوق تبعا لفنية اللقطات وإظهار المنغصات بتدرج من البسيط إلى المعقد. علاوة على إبراز المعضلة لتمحو وتعود من جديد، كما أن الأزمات في الفيلم تخرج في إطارها الضيق ( البيت الزوجي) إلى ميدان العمل، إلى أفراد الأسرة، مما وسع تأثيرية الحدث في المشاهدين، وكأن المحيط الذي يعيش فيها البطلان أزمتهما يتأثر بها تأثر المتعاطف المتسائل الحائر إلى المصائر الممكنة للبطلين اللذين صارت أسرارهما متداولة في العلن والخفاء.
إن عدم الثقة في الحاضر والمآل قد يدفع الكثيرات من الفتيات للارتباط بأزواج لسن من اختيارهن، وسرعان ما يفضي ذلك إلى اضطراب قد يتسبب أثرا جارحا لهن ولمن ارتبط بهن حين تظهر معطيات ومجريات تغير الأحداث والأحوال.. تلك هي الفكرة التي انبنى عليها فيلم " وصال "، وقد تجسدت هذه الفكرة فيه برؤية فنية لا تخلو من إثارة وجمالية. خاصة أن ما قد يعتقده المشاهد مبَرِّئا لوصال وهي تُظهر ما ليس بجرم ولا حرام أمام زوجها المترقب المتجسس، وما قد يعتقده مُجرِّما ليحى الذي لم يتمكن من العثور على ما يشين زوجته، سيتحول إلى حقائق في نهاية الفيلم حين نتأكد من التآمر بين العشيق ووصال على يحيى الصادق في حبه لوصال. ليصير مصير الخائنة السجن، ويصير العشيق المكدر لحياتها مع زوجها المخلص لها في عداد الموتى.&