المسرنم أوَّلاً، وكما هو معروف علمياً، هو الشخص الذي يسير أثناء نومه. لكنَّ للسرنما معنىً خاصاً. فهي ثالث مراحل النوم الإيحائي (أي المغناطيسي سابقاً). وتأتي بعد مرحلتَي النعاس والتخشُّب التمهيديتَيْن. لقد أُثيرَ حول هذه المرحلة التنويمية الكثيرُ من اللغط؛ حالها في ذلك حال الكثير من الظواهر الغريبة. لذلك شابها الكثير من الغموض والريبة. فكان السؤال: هل السرنما ظاهرة علمية؟ وهل ما يحصل خلالها منطقيّ يتقبَّله العقل؟ أم أنها مجرَّد خرافات وأكاذيب ليس لها أساس علميّ؟ بدايةً نقول إنَّ الأمر الذي أدَّى إلى زيادة الأقاويل حول هذه الظاهرة، أو هذه المرحلة التنويمية، هو السلوك الغريب الذي يُبديه الشخص في ظلّ هذه الحالة. وللشرح أكثر، لدينا هذان المثالان التوضيحيان:
المثال الأوَّل: لو افترضنا أنَّ شخصاً كان ينام خلال هذه المرحلة على سرير في عيادة الطبيب أو المعالج، وأوحى إليه هذا المعالج، الذي قام بتنويمه وبإدخاله إلى هذه المرحلة، بأنه موجود في وسط المحيط ضمن قارب صغير، فسيصدّق هذا النائم ذلك! بل إنه سيتجاوب مع المعالج، على الرغم من مظهره الذي يبدو للعيان وكأنه مشلول ومتخشّب! وإذا بالغ المعالج بإيحائه، سيبدأ هذا الشخص بالتجذيف وكأنه يغرق بقاربه فعلاً!
المثال الثاني: إذا أوحى المعالج للنائم بأنه ينام وسط العراء في فصل الشتاء، وبأن الثلوج بدأت بالتساقط، حتى لو كان الجو في غرفة المعالج حاراً جداً، فسوف يقتنع النائم بذلك إلى درجة أنه سيبدأ بالارتجاف وستصطك أسنانه! وفي الوقت الذي يصغي فيه النائم إلى كلمات معالجه، سيُبدي تجاهلاً تجاه غيره مع انفصال كلّي عن الواقع. وحتى لو قام أحدهم بإطفاء سيجارته في جسده فإنه لن يُبدي أي تجاوب معه! والدليل على هذا الكلام أنَّ التنويم الإيحائي كان يُستخدم كمخدّر أثناء القيام بعمل جراحي، وذلك قبل
اختراع المورفين وعقاقير التخدير الأخرى. والسؤال: ما السبب الذي يجعل النائم، من خلال الإيحاء، متجاوباً مع طبيبه، وغير مبالٍ بأيّ شيء آخر؟ والحقيقة أنَّ غياب النائم وانفصاله عن الخارج أمر طبيعيّ بسبب تغييب الوعي لديه، فهذا النوع من التنويم يستهدف اللحاء حيث الوعي والشعور والإرادة. لكن المستهجن هنا هو تجاوبه مع المعالج الذي قام بتنويمه! والجواب يكمن في ظاهرة الإعطاء والكفّ العصبية، التي من خلالها يتمُّ تحفيز بقعة مخّية في الوقت الذي يتم فيه تعطيل مساحات أخرى. فبعد جلسات عدَّة يستطيع المعالج، أو الطبيب النفسي، تحفيز نقطة معيّنة واستثارتها إلى درجة كبيرة، تغدو معها هذه النقطة –وبمرور الوقت- أشبه بثغرة في جدار القلعة يستطيع المعالج النفاذ من خلالها. وتغدو أوامره (إيحاءاته) بمثابة أوامر عقلية بسبب ولوجه إلى ما تحت الوعي بعد تغييب دور اللحاء، أو معظمه، وما على الجملة العصبية الودّية سوى تحويل المعنويّ (الكلمات والإيحاءات) إلى ماديّ (سلوك وتجاوب حركي). فيكون النائم (بالإيحاء) بذلك متجاوباً مع طبيبه، وغير مكترث بكلّ ما يجري حوله.

باحث سوري في علم النفس التحليلي