أحيانا يمكن أن يكون كاتب واحد رمزا لشعب ولبلد. وهذا هو حال إسماعيل كاداريه الذي جعل من روايته وقصصه "ملحمة" ألبانيا، "بلاد النسور" في مراحل مختلفة من تاريخها، سواء في عهد الإمبراطورية العثمانية، أم في العصر الحديث.

ومنذ البداية اختار إسماعيل كاداريه المولود عام&1936، والذي درََسَ في معهد غوركي بموسكو،&&أن يتحرر من "الواقعية الاشتراكية"، ومن قواعدها الصارمة، ومن أساليبها الثقيلة، مُنتصرا للفن في مفهومه العميق.&&فعل ذلك رغم أن النظام في بلاده كان من أشد الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية تشددا وتعنتا وراديكالية.&&ومن المؤكد أن مرجعياته الأدبية والفكرية الرفيعة المتمثلة في&&روائع الأدب الإغريقي، وفي&&"الكوميديا الإلهية" لدانتي، وفي تراجيديات شكسبير،&&وفي العديد من الأعمال الكلاسيكية الأخرى هي التي ساعدته في بلورة اختياره المذكور وهو لا يزال في بداية مسيرته الأدبية.

وقد بدأ إسماعيل كاداريه بكتابة قصائد لفتت إليه الأنظار في بلاده، إلاّ أن روايته الأولى "جنرال الجيش الميت" الصادرة في مطلع الستينات من القرن الماضي، هي التي حققت لها شهرة عالمية لا تزال قائمة إلى حد هذه الساعة. وتروي هذه الرواية التي كتبت بنَفَس ملحمي قصة جنرال إيطالي ينطلق برفقة رجل دين إلى ألبانيا بعد مرور عشرين عاما على نهاية الحرب الكونية الثانية، بحثا عن جثث الجنود الايطاليين الذين قتلوا في تلك الحرب. ومع مرور الأيام، يجد نفسه محاطا بالأموات&&فلا يرى غيرهم :"ثم في الفترات الأخيرة، حدث شيء غريب. حالما أرى أحدا، أشرع&&آليّا&&في اجتثاث شعره، ونزع وجنتيه، وعينيه... فكما لو أن كل&&هذا شيء زائد عن اللزوم، أو كما لو أن كل هذا يمنعني من&&الولوج إلى جوهره. ولا يكون رأسه في تصوري غير قحف وأسنان(العناصر الوحيدة الثابتة)...هل تفهمونني؟ لديّ إحساس بأنني أدخل مملكة الكلسيوم"...

وبسبب الشهرة العالمية التي حصل عليها،&&أصبح إسماعيل كاداريه&&نائبا&&في البرلمان ، وعضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي. لكن ذلك لم يمنعه من كتابة روايته التي حملت عنوان" الشتاء الكبير" ،وفيها انتقد بطريقة خفية ديكتاتورية الأنظمة الشمولية المتمثلة في الأنظمة الشيوعية، في بلاده، وفي بقية بلدان أوروبا الشرقية. وقد أثارت تلك الرواية غضب السلطات في بلاده ليجد نفسه مهددا في حريته الشخصية. مع ذلك، رفض الفرار&&إلى المنفى، مفضلا مواصلة الكتابة في بلاده.

وفي جل الروايات التي كتبها إسماعيل كاداريه في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، تحضر الطبيعة الألبانية القاسية بأمطارها الغزيرة الباردة، وبعواصفها الهوجاء، وبثلوجها التي تغطي جبالها الكثيرة، وبطرقاتها الوعرة الملطخة بالطين. كما تحضر حياة الناس في ألبانيا من خلال تقاليدهم الصارمة المتمثلة في جرائم الانتقام والشرف. وهذا ما تعكسه روايته الجميلة "أفريل المهشم".&&&وفي روايته "الفتنة" التي كتبها في باريس التي قرر الاستقرار فيها بعد انهيار النظام الشيوعي في بلاده، ينتقد إسماعيل كاداريه الأوضاع في بلاده في زمن الشيوعية واصفا إياها ب"الجمهورية الفاسدة". وفي روايته الأخرى" النسر"، هو يعود مرة أخرى إلى الفترة الشيوعية لكن بشكل مباشر في هذه المرة-وهو ما لم يفعله في رواياته السابقة- ليدين مظاهر الظلم والاستبداد المسلطة آنذاك على المجموعات، وعلى الأفراد. ولعله لا يرغب من خلال روايته هذه في طيّ صفحة الماضي الشيوعي مثلما فعل العديد من كتاب البلدان التي كانت خاضعة للأنظمة الشيوعية، بل هو يصر على أن يظل باب نقد تلك الحقبة السوداء في تاريخ بلاده مفتوحا مثلما هو الأمر بالنسبة للحقبة النازية في ألمانيا، والحقبة الفاشية في إيطاليا.

وعن ألبانيا يقول إسماعيل كاداريه :" في كتابه "ليال أثينية"، أشار المؤلف اللاتيني أولو-جال إللاى أنه في أقصى العالم، هناك بلاد تسمى ألبانيا، فيها&&يعيش أناس تبيضّ رؤوسهم منذ فترة الصبا. وهو يرون الليل أفضل مما يرون النهار. ولسوء الحظ، أنا ولدت في هذا البلد"...&&&