القاهرة: شهر رمضان سيكون مختلفا هذا العام بالنسبة الى أسرة ناهد التي سيكون عليها شدّ الحزام بعد أن وصلت معدّلات التضخم الى مستويات قياسية غير مسبوقة، في وقت اتخذت الحكومة إجراءات تقشفية تطبيقا لتوصيات صندوق النقد الدولي.

وتقول ناهد (أربعينية)، وهي أم لطفلين وتعمل في مجال تصميم المواقع الالكترونية، أثناء قيامها بشراء طماطم في سوق شعبي في وسط القاهرة، "قلّلنا كثيرا من الكميات التي نشتريها لأن الأسعار ارتفعت جدا".

وحول سلال الفاكهة والخضروات المعروضة في السوق، يعبّر الزبائن والباعة عن الاستياء ذاته مع اقتراب شهر رمضان الذي يبدأ خلال الايام المقبلة. 

في نيسان/إبريل الفائت، بلغ معدل التضخم السنوي في مصر قرابة 33%، لكن قطاع المواد الغذائية والمشروبات سجل النسبة الاكبر التي وصلت الى 44,3%.

وتشهد مصر ارتفاعا قياسيا في الأسعار منذ قررت السلطات تحرير سعر صرف الجنيه المصري، في إطار خطة إصلاح اقتصادي حصلت بموجبها على قرض من صندوق النقد الدولي قيمته 12 مليار دولار على ثلاث سنوات.

وأدى تحرير سعر صرف العملة المصرية الى تراجع قيمتها بنسبة 50% تقريبا. ووصل سعرها في المصارف أكثر قليلا من 18 جنيها للدولار، بعد ان كان 8,8 جنيها.

وفرضت الحكومة ضريبة على القيمة المضافة، كما خفضت بشكل كبير الدعم العام المخصص للطاقة، خصوصا الوقود.

وتم تأجيل هذه الإصلاحات لعقود، إذ كانت السلطات المصرية تخشى أن تتسبب هذه الإجراءات في اضطرابات اجتماعية. 

ويعد شهر رمضان أكثر شهور العام بالنسبة الى الاقبال على المواد الغذائية في البلاد، إذ يحرص ملايين المصريين على شراء كميات كبيرة من الطعام تكفي للشهر بأكلمه مبكرا. كما يحرصون على شراء كميات من الياميش (المكسرات والحلويات التي ترافق مائدة رمضان) التي تضاعف ثمنها أخيرا. 

وقلص هذا الوضع من مشتريات أسرة ناهد وملايين الأسر المصرية التي دخلت في مرحلة تقشف بعد ارتفاع الأسعار.

- "صدمة ممتصة" -وعلى الرغم من التقشف، يبقى الوضع تحت السيطرة في البلاد. ففي ظل حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، قد يقود التظاهر الى السجن. كما أن شريحة كبيرة من المصريين تريد الاستقرار، بعد سنوات من الفوضى أعقبت الثورة التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك في العام 2011.

ويعد قرض صندوق النقد الدولي بمثابة شريان حياة للحكومة المصرية التي تبحث عن إنعاش السياحة واجتذاب المستثمرين الأجانب. 

ويقول رامي عرابي، الخبير الاقتصادي بشركة الخدمات المالية "فاروس"، "يمكن اعتبار العام المالي الذي ينتهي في يونيو (حزيران) الفترة الأكثر صعوبة".

ويتابع "لن تكون الامور سهلة بعد ذلك، لكن على الأقل ستكون الصدمة قد امتُصّت. ردّ فعل المستثمرين الأجانب إيجابي وبرناج الإصلاح يسير على ما يرام". 

وأثنى صندوق النقد الدولي على برامج المساعدات الاجتماعية الحكومية التي ستخصص لها موازنة أكبر ليصل عدد المستفيدين منها الى قرابة ثمانية مليون شخص.

لكن مع تزايد التضخم، طالب مسؤول كبير في الصندوق في نهاية نيسان/إبريل الفائت بزيادة أسعار الفائدة على الجنيه المصري، وهو إجراء يفترض أن يساعد في كبح التضخم إذ يشجع المستهلكين على ادخار اموالهم بدلا من إنفاقها.

وبالفعل، أعلن البنك المركزي الاحد رفع أسعار الفائدة بنسبة 2%، وهي المرة الثانية التي ترفع فيها، إذ سبق أن رفعت مصر أسعار الفائدة 3% في تشرين الثاني/نوفمبر الفائت.

وتستهدف هذه الخطوة خفض التضخم ليصل الى 13% في نهاية العام 2018.

وخلال الشهور الاخيرة، بدأ مستوى الارتفاع في الأسعار في التراجع، إذ انخفض التضخم على أساس شهري من 4,3% في كانون الثاني/يناير الى 1,8% في نيسان/ابريل.

ويقول عرابي "من شهر الى آخر، تتراجع الزيادة. موجة ارتفاع الأسعار التي سببها تحرير سعر الصرف وزيادة اسعار الوقود وصلت الى قمتها، والان ينبغي ان تعود نسبة الزيادة في الاسعار الى معدلها الطبيعي".

- عودة الاستثمارات -وتحقق أول نجاح لبرنامج الإصلاح الاقتصادي. فقد سمح تحرير سعر الجنيه بتقليل عجز الميزان التجاري، وهو أمر بمثابة معجزة لبلد يستورد تقريبا كل شيء، حتى القمح... إذ تعد مصر من أكثر بلاد العالم استهلاكا له.

وفي شهر شباط/فبراير الفائت، انخفض هذا العجز بنحو 56% مقارنة مع الشهر نفسه في العام السابق.

وتسعى الحكومة الى جذب الاستثمار الأجنبي المباشر بتقديم إعفاءات وحوافز مالية. لكن النتائج لن تكون واضحة قبل نهاية العام 2017، بحسب الخبراء.

ومع ذلك، فإن محصلة الاستثمار الأجنبي المباشر بالنسبة للفترة الممتدة من تموز/يوليو وحتى كانون الأول/ديسمبر 2016 وصلت إلى 7,4 مليار دولار، بحسب أرقام البنك المركزي. وتسجل هذه الأرقام زيادة عن أرقام العام المالي السابق التي بلغت 6,9 مليار دولار، لكن بالطبع أقل من 13,2 مليار دولار التي تحققت قبل العام 2011. 

وتتوقع وكالة التصنيف المالي "ستاندرد آند بورز" معدل نمو "يقترب من 4% بتأثير الاستثمارات والصادرات".

وتسعى الحكومة المصرية لخفض عجز الموازنة والدين العام. ومن أجل تحقيق ذلك، ستنفذ خفضا جديدا في الدعم المخصص للوقود، وهي خطوة حساسة قد تؤجج مرة أخرى الغضب الشعبي.